أكثر من أيّ وقت مضى، ينطبق هذا العام على عيد الفطر القول الذي بات يرافق كل الأعياد والمناسبات الدينية والوطنية، “بأيّة حالة عدت يا عيد”، فكلّ الظروف تبدو “معاكسة” لأجواء الأعياد المفترض أن تملأها البهجة، من الوضع السياسي الذي يملأه الفراغ الذي يبدو حتى إشعار آخر بلا أفق، إلى الهاجس الاقتصادي والاجتماعي الذي حرم كثيرين من “متعة” الخروج في نزهة العيد، بل حتى شراء “ثياب العيد”.
في عيد الفطر، تغيب السياسة بعدما دخلت في “إجازة” قد تمتدّ إلى ما بعد انتهاء العطلة الرسمية يوم الإثنين المقبل، “إجازة” لا يراها كثيرون مستحقّة لطبقة سياسية “تطبّعت” مع الفراغ الرئاسي كما لو أنّه أمر عادي، ولا تبذل أيّ جهد في سبيل انتخاب رئيس جديد للجمهورية اليوم قبل الغد، وتعمل على “تعميم” حالة الفراغ، في ظلّ استحقاقات داهمة، قد لا ينفع معها سيناريو “التمديد” الذي سرى على المجالس البلدية والاختيارية.
لكن، في عطلة عيد الفطر، ثمّة من “يتأهّب” أيضًا لمرحلة مختلفة بعد العيد، بدأت معالمها بالظهور في الأيام الأخيرة، خصوصًا على المستوى الرئاسي، في ظلّ ما يُحكى عن استعداد رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية مثلاً لحركة “جدية”، توازيًا مع متغيّرات خارجية يقال إنّها تميل لصالح “الحسم” في لبنان، بل إنّ هناك من يشير إلى أنّ القمة العربية المقبلة المرتقبة في شهر أيار في الرياض، ستحمل معها “الفرج الموعود”!
حركة الخارج
صحيح أنّ الاهتمامات الخارجية منصبّة هذه الأيام على ملفّات “طارئة”، في مقدّمها الملف السوداني الذي فرض نفسه على رأس الأولويات، في ضوء الصراع العسكري بين القوات المسلحة بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، المعروف بـ”حميدتي”، فضلاً عن الملف التونسي، الذي يخشى البعض من تصعيد على خطّه، بعد توقيف السلطات لرئيس حركة “النهضة” راشد الغنوشي وصدور أمر بسجنه.
لكن، أبعد من السودان وتونس، يقول العارفون إنّ حركة عربية “نشطة” لا بدّ من رصدها على أكثر من خط، من اليمن إلى سوريا، في سياق ما يمكن اعتباره “ترجمة” للاتفاق السعودي الإيراني، علمًا أنّ تقدّمًا واضحًا رُصِد على هذا المستوى، في ضوء المباحثات السعودية الحوثية، وانفتاح الرياض على سوريا، وسط تقديرات بأن يزور الرئيس بشار الأسد العاصمة السعودية في وقت قد يكون أقرب ممّا يخال المتفائلون.
وإذا كان العارفون يشيرون إلى أنّ الملف اللبناني يحلّ في المرتبة الثالثة على أجندة المتحاورين، ثمّة من يعتقد أنّ القمة العربية التي تستضيفها الرياض في أيار قد تكون “مفصليّة” على هذا الخط، لأنّ المملكة تريد أن تكون هذه القمّة مختلفة عن كلّ سابقاتها، وأن تحمل معها “الحلول” للملفات “الساخنة”، ومنها الملف اللبناني، في ضوء الأزمات المتفاقمة التي يتخبّط وراءها اللبنانيون، من دون أيّ أفق واضح للحلّ.
ماذا عن الداخل؟
يقول بعض المتابعين إنّ “الانفراج اللبناني” يجب أن يسبق القمة العربية، وأنّ الرياض تعمل لذلك عمليًا خلف الكواليس، علمًا أنّ اتصالات “الخماسية” المعنيّة بالشأن اللبناني تتركّز على هذا الجانب، في ظلّ اندفاعة فرنسية سعودية تحديدًا، ولا سيما أنّ هناك من يؤكد “التفاهم” بين الجانبين، خلافًا لكلّ ما يثار في الإعلام، بل يشير البعض إلى أنّ كلّ الخطوات التي أقدمت عليها باريس “منسّقة” مع السعوديين بشكل مباشر.
لكنّ الحراك الخارجي النشط يبقى معلّقًا، إذا لم يقترن باستجابة من الداخل، وفق العارفين، الذين يلفتون إلى بعض المواقف “المتشدّدة” التي تُرصَد على أكثر من خطّ، ولا سيما أنّ بعض قوى المعارضة تعلن “تصدّيها” لأيّ تسوية تأتي على حسابها، ولو جاءت بمباركة إقليمية ودولية، وثمّة، بين هذه القوى، من يلوّح بتعطيل أيّ جلسة انتخابية رئاسية لا تضمن مصالحها، بما يعمّم حالة الفراغ أكثر وأكثر.
لكن في مقابل هذا الرأي، ثمّة من يعتقد أنّ الجميع سيلتحق بالتسوية متى انتهى “طبخها”، بمعنى أنّ كل ما يُحكى اليوم لا يعدو كونه “رفعًا للأسقف” ليس إلا، خصوصًا أنّ الفريق المعارض قبل غيره لن يسجّل على نفسه الوقوف في وجه الحراك العربي الداعم، علمًا أنّ “المَخارِج” ستكون مُتاحة لحفظ ماء الوجه، ولا سيما أنّ الحديث يتركّز على “تسوية شاملة”، تتضمن “سلة متكاملة”، ينطبق عليها حكم “لا غالب ولا مغلوب”.
إلى ما بعد عطلة عيد الفطر إذًا تتّجه الأنظار، وتحديدًا إلى الفترة الفاصلة ما بين العيد والقمّة العربية، فترة قد تكون متغيّراتها مفصلية وجوهرية، فتحدّد معالم المرحلة المقبلة، إذا ما تلقّف اللبنانيون يد الخارج الممدودة.
أما إذا لم يفعلوا، وجاءت القمّة العربية لتعيد دعوة اللبنانيين إلى “مساعدة أنفسهم”، فقد تكون النتيجة “كارثية”، مع انهيار شامل قد يكون “بديل” التسوية الشاملة، وهنا الطامة الكبرى!