لا شك أن الولايات المتحدة الأميركية تلقت في الأونة الاخيرة ضربات سياسية قوية من الصين وروسيا اللتين، ورغم كل الحصار والعقوبات المفروضة عليهما، يتوسع نفوذهما في الشرق الاوسط. فالاتفاق الايراني- السعودي الذي رعته بكين سحب الورقة السعودية من واشنطن ، علما أن سياسات الإدارات الأميركية المتعاقبة لا سيما إدارة الرئيس جو بايدن تجاه الخليج، دفعت بالرياض،بحسب مصدر دبلوماسي عربي، إلى إعادة ترتيب علاقاتها مع الدول الكبرى والاقليمية والعربية فسارعت الى توسيع شراكتها مع روسيا والصين على المستوى الاقتصادي، وإلى التطبيع مع النظام السوري، وتجهد من أجل مشاركة سوريا في القمة العربية التي تستضيفها في ايار المقبل.المنطقة تتحوّل إلى ساحة تسويات…. لبنان ينتظر دوره وإيجابية سعودية تجاه فرنجية
لكن من السابق لاوانه، بحسب سفير روسيا السابق في لبنان الكسندر زاسيبكين، التحدث عن نتائج محتملة لما يحدث في المنطقة، لان الوضع في الشرق الاوسط هو جزء من الأوضاع العالمية التي تعيش مرحلة انتقالية من نظام قطب واحد إلى نظام تعددية اقطاب. و هذه المرحلة طويلة ومرد ذلك أن اهداف الاطراف المعنية متناقضة، فالولايات المتحدة تسعى وحلفاؤها إلى تثبيت هيمنة “المليار الذهبي” و تخوض حربا في اوكرانيا ضد روسيا وتحتل أراضي سوريا وتواصل أعمالا تخريبية في عدد كبير من الدول بهدف تفجير الأوضاع الداخلية وتصعيد التوتر على المستويين الدولي والاقليمي.وسط هذه التحولات، لا يمكن اغفال أن واشنطن لا تزال تملك أوراق ضغط مؤثرة في المنطقة، فعطفا على قواعدها العسكرية في قطر والكويت والاردن وسوريا والعراق، فإن إعادة إعمار سوريا لا تزال دونها عقبات “قانون قيصر”والذي من الصعب على الدول الخليجية أن تتجاوزه أو تتجاهله، فمساعدة وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف أكدت أن الولايات المتحدة لاتزال حازمة في معارضتها للنظام السوري، ولن تنظر في رفع العقوبات عنه للسماح بإعادة الإعمار. مع الإشارة إلى تباين داخل الإدارة الاميركية في الموقف من سوريا، فثمة رأي يدعو إلى التشدد مع النظام السوري، في حين أن رأيا آخر ليس بعيدا عما يجري من تحول في المنطقة.الان تجري تطورات إيجابية في الشرق الاوسط،بمعنى تنقية الاجواء ابتداء من التطبيع الايراني السعودي ووصولا إلى عودة العلاقات السعودية السورية واحراز التقدم في مسألة التقارب السوري التركي وفتح المجال لايجاد الحل حول اليمن. ومن الواضح أن السبب الأساسي لهذه التطورات، بحسب ما يؤكد زاسيبكين لـ”لبنان24″ هو تحرك المنطقة من دائرة سياسة القطب الأميركي إلى ساحة تسويات بجهود الدول المحلية وبمساعدة اطراف دولية مثل روسيا او الصين.تدرك القيادة الروسية، بحسب زاسيبكين، خطورة مخططات الغرب وتصرفاته وتقف بالتعاون مع حلفائها وشركائها في وجهها. فما يجري هو كفاح مشترك ضد كل أشكال الإجرام الدولي التي كانت معروفة سابقا وانتعشت في ظروف التقلبات التي حصلت نتيجة تفكك الاتحاد السوفياتي (استعمار ونازية وتطرف ديني وقومي وارهاب) وفي ضوء ذلك تتوجه دول المنطقة أكثر فأكثر إلى الدفاع عن مصالحها الحقيقية وتبحث عن قواسم مشتركة بينها وفقا لمصالحها الوطنية.أمام المناخ الجديد، يسود الترقب لما ستؤول إليه الاتصالات في شأن حل الأزمة الرئاسية . فالدول المؤثرة تتطلع إلى إنهاء القوى السياسية للفراغ الرئاسي،علما أن دولا عدة من بينها موسكو لا تتدخل في الاسماء، لكنها تبدي ارتياحا لوصول رئيس يقود ورشة إعادة بناء الدولة في كل المجالات، ويقول زاسيبكين في هذا السياق:”يجب على اللبنانيين أن يستفيدوا من فرصة إيجاد حلول للمشاكل الداخلية في إطار اتفاق وطني وبمشاركة بسيطة جدا للاطراف الخارجية، اخذا في الاعتبار أن السلطة المركزية القوية تكون قادرة على الاتفاق مع قوى دولية سواء كانت غربية أو شرقية، أكثر من السلطة الضعيفة. ولذلك على القوى السياسية تحمل المسؤولية فهناك مناخ دولي مناسب لتنفيذ الواجب الوطني من جانبها”.أما على الخط الفرنسي، فلا تزال باريس تعتبر أن رئيس تيار المردة سليمان فرنجية هو الأوفر حظا، والخيار الأقل تعقيدا، ولذلك، تكثف من اتصالاتها مع الرياض من جهة، ومع القوى السياسية المسيحية من جهة اخرى من أجل السير بالتسوية او عدم الاعتراض عليها، نظرا للمشهد الجديد في المنطقة، ولتموضع فرنجيه الذي يجعله قادرا على الاستفادة من التحولات لمصلحة لبنان سياسيا واقتصاديا. لكن حتى الساعة، لم يتبلور أي موقف مسيحي جديد يمكن البناء عليه، باستثناء ما رشح عن عدم معارضة بكركي لفرنجية التي زارها في الأيام الماضية ،معلنا من منبرها عن مشروعه الرئاسي الذي سوف يتحدث عنه بشكل مفصل يوم الأربعاء المقبل في إطلالة تلفزيونية قبل أن يبدأ حراكه السياسي الداخلي. وكل ذلك يؤشر وفق مصادر سياسية في 8 آذار، إلى أن فرنجية تلقى إشارات ايجابية سعودية مفادها أن لا فيتو عليه. ومع ذلك، لا بد من التوقف عند الغموض في الموقف الأميركي من الملف الرئاسي والذي من شأنه إما أن يسرع في انتخاب الرئيس أو يدفع نحو تمديد الأزمة، علما أن أوساطا سياسية تنقل عدم معارضة واشنطن لانتخاب فرنجية ربطا بما سمعه رئيس مجلس النواب نبيه بري من السفيرة الأميركية دوروثي شيا ومفاده لماذا نريد أن نكون ضده،وماذا اذا انتخب”.