واحدة من المفارقات الغريبة المرتبطة بالمعركة الرئاسية في لبنان ان تكون فرنسا هي من يخوض معركة ايصال مرشح حزب الله رئيس تيار المردة سليمان فرنجية الى رئاسة الجمهورية، وتدخل من اجل ذلك في مشاورات ونقاشات وخلافات مع قوى اقليمية وداخلية. ولعل الاسابيع الماضية شهدت بشكل فاقع على الرغبة الفرنسية بوصول فرنجية، حتى ظهر الموقف الرسمي الفرنسي عن وزارة الخارجية الذي يؤكد ان “باريس ليس لديها مرشح للرئاسة في لبنان”.
موقف الخارجية الفرنسية لم يقنع الكثيرين من حلفاء فرنجية، فهم يؤكدون ان باريس وجدت نفسها مضطرة ان تبرر نفسها امام بعض القوى السياسية التي تخوض معركة اعلامية ضدها بسبب موقفها الرئاسي، وهذا يعني انه في السياسة يجب البناء على فكرة ثابتة، هي ان فرنجية مدعوم فرنسيا، اقله حتى اللحظة.ليس معلوما السبب الحقيقي الذي جعل باريس تخوض معركة رئيس المردة، لكن التسريبات والتحليلات ترجّح امرين، الاول اتفاق كامل مع الرجل على التلزيمات والاستثمارات التي ترغب فرنسا بالحصول عليها في لبنان من المرفأ الى المطار وصولا الى البريد وغيرها، والتي تشكل عاملا اساسيا من العوامل التي تتحكم بالتوجه الفرنسي في لبنان.اما السبب الثاني فهو الرغبة الفرنسية الحاسمة في عدم استفزاز حزب الله، لا بل مراعاته بشكل كبير، على اعتبار ان التسوية، اي تسوية، لا يمكن ان تنجح من دون رضى الحزب، ولان مصالح فرنسا النفطية في لبنان تتطلب عدم قيام الحزب بأي خطوات تعرقل وجود شركة توتال في البلوكات الجنوبية.كما ان لدى الفرنسيين قناعة حاسمة بأن الحزب يريد ايصال حليفه الى بعبدا، لذلك، ومن منطلق تسهيل وتسريع الحل، تعمل باريس على تثبيت معادلة حصول حزب الله على رئاسة الجمهورية في مقابل حصول خصومه على مكتسبات سياسية اخرى ومن هنا بدأ النقاش حتى مع السعوديين الذين رفضوا في بداية الأمر هذه المعادلة وهذا الطرح.حتى ان باريس حاولت في الاسابيع الاخيرة معرفة مدى استعداد حارة حريك للتنازل عن فرنجية وحصلت على الجواب المتوقع ذاته، وقد كررت قطر المحاولة مكلفة من مجموعة الدول الخمس، وكانت النتيجة ان فرنجية هو المرشح الوحيد. لذلك فإنه، وفي الايام الاخيرة، بات الفرنسيون اكثر صراحة في دعم مرشح الحزب والتسويق له.وبحسب مصادر مطلعة فإن بعض من زاروا باريس من زعماء وسياسيين ونواب في الايام الاخيرة فوجئوا بالموقف الفرنسي الحاد الذي لا يقبل البحث بمجموعة جديدة من الاسماء بل يصر على حصر الحديث الرئاسي برئيس المردة، وهذا ما ازعج اكثر من “طرف سيادي”كان يأمل ان يصل مع باريس الى حلول وسط تنهي الفراغ الرئاسي او تفتح باب التسوية.وترى المصادر ان هذا التوجه الفرنسي سيجعل من بعض القوى المسيحية تحديدا تأخذ موقفا سلبيا منه، خصوصا انها ترفض وصول فرنجية وتعتبر انه لا يعبر عن الوجدان المسيحي ولا يمثل عمليا سوى نسبة ضئيلة من المسيحيين، فكيف يمكن لدولة مثل فرنسا ان تتجاهل هذا العامل؟ولعل هذه الحدة الفرنسية التي ظهرت مؤخرا والتي كانت غير متوقعة مسيحيا، هي التي دفعت باريس الى اصدار توضيحها الرسمي في محاولة لاحتواء القوى السياسية المعترضة وتخفيف حدة البرودة التي سيطرت على علاقتها بهم..