هل تنجح طهران في إقناع الرياض بما هي مقتنعة به بالنسبة إلى رئاسة الجمهورية اللبنانية، أم سيكون للملكة العربية السعودية التأثير الأكبر على إيران بما تراه أكثر ملاءمة لوضعية لبنان؟ فطهران التي تحيل من يراجعها بالملف اللبناني على “حزب الله” تتماهى بالطبع مع خياراته اللبنانية، وبالأخص في دعم من يدعم ترشيحه لرئاسة الجمهورية، وإن حاول وزير خارجيتها حسين أمير عبد اللهيان الإيحاء بعكس ذلك في خلال زيارته للبنان، خصوصًا أنه تحاشى التلميح، لا من بعيد ولا من قريب، إلى إمكانية تفضيل بلاده رئيس تيار “المردة” الوزير السابق سليمان فرنجية على غيره من المرشحين. وكان يمارس في ذلك ديبلوماسية من يمسك عادة العصا من وسطها، وهي ديبلوماسية ناجحة إلى حدود بعيدة في تعاطي طهران مع أزمات المنطقة، ومن ضمنها أزمة لبنان، وذلك على خلفية أن اتفاقها مع الرياض ليس مرحليًا أو تكتيًا، لأنها تتعاطى مع هذا المعطى الجديد من منطلق استراتيجي يهدف إلى إرساء علاقات أكثر من طبيعية بينها وبين المملكة العربية. هذا التوجه لا يعني أن ما كان بينهما من مشاكل تاريخية سيتلاشى بين ليلة وضحاها، بل يتطلب الأمر الكثير من المتابعة والعناية، وعدم ترك القضايا الجانبية تؤثرّ سلبًا على ما تتطلع إليه القيادتان السعودية والإيرانية مستقبلًا.
وقد يؤثرّ تعاطي طهران مع الملف اللبناني على أساس “خاسر أو رابح” سلبًا على مستقبل علاقتها بالرياض، التي تحرص بدورها على أن تلعب دورًا إيجابيًا لجهة ضمان استقرار المنطقة ونمّوها وازدهارها، ونقل دولها قاطبة من مرحلة ردود الفعل إلى مرحلة الفعل المباشر في مسرى الأحداث والتطورات بما يؤّمن مصالح كل دولة بالتوازي مع قدراتها وامكاناتها الاقتصادية والإنتاجية، مع حفاظ كل دولة من هذه الدول على خصوصياتها الأيديولوجية والثقافية. من هنا خلت زيارة الوزير الإيراني من أي مفاجآت غير منتظرة، وأبدى حرصه على الحديث في العموميات في ما خصّ الملف الرئاسي، وقد بدا في بعض الأحيان وكأنه يستعير بعض التعابير السعودية في مقاربته للموضوع الرئاسي. ولكن ما لم يُكشف في الاعلام عن طبيعة اللقاء، الذي جمع عبد اللهيان بالأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصرالله، يمكن إدراجه في خانة “التهدئة” المطلوبة حاليًا على جبهة “حارة حريك” – الرياض. وهذا الأمر يمكن أن يساهم كثيرًا في التقريب بوجهات النظر واختزال التباينات، التي لا تزال قائمة، ولو بنسب أقّل حدّة من ذي قبل. هو أمر طبيعي أن يفاتح الضيف الإيراني السيد حسن بهذه الحقيقة وبهذه الواقعية، وهذا ما يدركه “حزب الله”، وهو القادر على التأثير على بيئته في أي أمر يُقدم عليه. ما يُقال عن طبيعة لقاء “حارة حريك” لا يستند إلى معلومات، بل هو استنتاج طبيعي لمسار التطورات، التي يجب أن تصبّ في خانة الإيجابيات، التي يُعمل عليها. ويذهب البعض في هذا المجال بعيدًا، حيث يُقال إن ثمة نيّة إيرانية بترتيب لقاء محتمل بين عدد من المسؤولين السعوديين وبعض المسؤولين في القيادة العليا لـ”حزب الله” في بلد محايد ولا يخضع للعقوبات الأميركية، وقد يكون هذا السبب هو واحد من بين عدّة أسباب أخرى لعودة السفير السعودي وليد البخاري إلى بيروت. وليس بعيدًا عن هذا الجو تأتي الزيارة المرتقبة للموفد القطري وزير الدولة في وزارة الخارجية القطرية محمد بن عبد العزيز الخليفي لبيروت، وهي تندرج في إطار المساعي التي تقوم بها دولة قطر، بموافقة سعودية ومصرية ضمنية، وبتنسيق أكيد مع باريس.