كتب ابراهيم بيرم في” النهار”: مصادر على صلة بدوائر القرار في حزب الله تعتبر ان زيارة وزير الخارجية الايراني حسين أمير عبد اللهيان بيروت اكثر”بديهية وطبيعية”، فبيروت بما تمثل وبما تحتوي هي بالنسبة الى طهران قاعدة انطلاقها في اي ملف اقليمي تعتزم مقاربته. لذا فان المصادر عينها تقرأ في زيارة مسؤول ايراني على هذا المستوى الرفيع عنوانين اساسيين مترابطين: الاول والأهم ان الزيارة هي الاولى لمسؤول إيراني رفيع الى بيروت بعد اتفاق بكين الذي يتعين ان يكون قد وضع حداً لمرحلة طويلة من العداء والقطيعة بين طهران بما تمثل والرياض بما تطمح في ظل قيادتها الجديدة. من هنا فان طهران ارادت من خلال هذه الزيارة تأكيد أمر أساسي هو ان حال الانفراج في العلاقة بين العاصمتين الاقليميتين المحوريتين لا يعني بالضرورة ان طهران في وارد الانسحاب من مربع صراعها الوجودي مع اسرائيل ودعم القوى التي تقف في وجهها.
والعنوان الثاني ان طهران ارادت من خلال زيارة رئيس الديبلوماسية فيها لبيروت ان تؤكد لحلفائها في لبنان والاقليم انها ما زالت تقيم ثابتةً على عهد التحالف معهم وان قناعاتها لم تتزحزح، وقد قدمت طهران في هذا الاطار ثلاثة مؤشرات عملانية:
– تعمّد عبد اللهيان ان يزور “النقطة صفر” مع الكيان الاسرائيلي، اي تلة مارون الراس “حديقة ايران”، وان يزرع في تلك النقطة غرسة زيتون. ولا شك في ان سرور ايران وحلفائها كان كبيرا جدا عندما انشغلت تل ابيب وإعلامها بمناقشة أبعاد هذه الزيارة وما يمكن ان تشكله على منظومة الردع الاسرائيلية.
– تعمّد الإعلام المرافق لعبد اللهيان الكشف عن مضامين اتصالين اجراهما في اثناء وجوده في العاصمة اللبنانية باثنين من كبار قادة حركة “حماس” تعتبرهما اسرائيل الاكثر خطورة، هما رئيس الحركة في قطاع غزة يحيى السنوار ورئيس مكتبها السياسي اسماعيل هنية، وتوجيه دعوة مباشرة الى الأخير لزيارة طهران في القريب العاجل.
الى ذلك، أفادت معلومات انه كانت لعبد اللهيان لقاءات بعيدة عن الاضواء مع قيادات الفصائل الفلسطينية الموجودة في بيروت ودمشق، منهم الامين العام لحركة “الجهاد الاسلامي” زياد نخالة.ثمة مَن يعتبر ان زيارة عبد اللهيان وما تخللها من نشاطات وتحركات إنما هي بمعنى أو بآخر محطة ضرورية لتظهير خيارات محور الممانعة وحساباته في المرحلة الراهنة والمستقبلية، وانه في حال صعود وليس العكس، وان اتفاق بكين استطرادا لا يعني ان دور ايران وحضورها الوازن في الاقليم، وتحديدا في ساحات الاشتباك الخمس المعروفة، هو الى تراجع وضمور، او انه صار قابلا لاعادة النظر فيه. وكان على طهران ان تقدم لحلفائها وخصومها على حد سواء ما يثبت ان اتفاق بكين ليس لغير مصلحة حساباتها وحضورها الاستراتيجي في الاقليم. اما العنوان الثاني فهو ما له صلة بالوضع اللبناني المأزوم، وتحديدا الموضوع الاكثر الحاحا وهو ازمة ملء الشغور الرئاسي التي دخلت شهرها السادس من دون ان تتبدى علائم الانفراج.
المصادر عينها ترى ان ايران ومحورها في لبنان حرصا خلال الايام القليلة الماضية على تقديم اكثر من دليل على انهما يرغبان في مقاربة موضوعية للشأن اللبناني وتعقيداته. وتعتبر المصادر عينها في هذا الاطار ان طهران ترجمت هذه الموضوعية من خلال أمرين اثنين:الاول، ابداء الاستعداد لانفتاح اوسع على كل المكونات اللبنانية ما عدا حزب “القوات اللبنانية”، وقد تجلى هذا التوجه في الدعوة التي وُجهت الى الكتل النيابية اللبنانية الى لقاء مع عبد اللهيان في مقر السفارة الايرانية في بئر حسن، حيث بدا الرجل مستمعا لكل الآراء بما فيها المعارِضة لتوجهات “حزب الله” من دون ان يسمعوا منه ما يشي بان بلاده في وارد تأييد مرشح بعينه، خصوصا انه ركز في كل محطات زيارته على امر اساسي هو ان مسألة انتخاب الرئيس هي شأن لبناني وان بلاده مستعدة للتعاون مع رئيس يكون مجمَعاً عليه.
الثاني، ان مضامين خطاب قوى المحور في لبنان لم تتغير بعد زيارة عبد اللهيان، والقائمة على مسلّمة ان فرنجية مرشحنا فهاتوا مرشحكم أنتم ولنحتكم الى صندوق الاقتراع أو تعالوا الى حوار.وفي كل الاحوال، فان المصادر اياها ورغم اقرارها بان زيارة عبد اللهيان لن تبدل من ثبات صورة المشهد الانتخابي، إلا انها اظهرت ان ثمة حراكا اقليميا اكبر من ذي قبل، وهو لا بد ان ينتج ويبنى عليه.