كيف سيتأثرّ لبنان بإيجابيات اتفاق بكين؟

1 مايو 2023
كيف سيتأثرّ لبنان بإيجابيات اتفاق بكين؟

لم يعد السؤال الذي كان مطروحًا في السابق حول إمكانية تأثرّ لبنان بمفاعيل الاتفاق السعودي – الإيراني واردا في ذهن أحد اليوم، باعتبار أن سؤالًا آخر قد حلّ مكانه، وهو: كيف سيتأثرّ لبنان بمفاعيل هذا التقارب، الذي يمكن أن يُعلقّ عليه الكثير من الآمال الوردية مستقبلًا. 

 
 
 فهذا التقارب وما ينتج عنه من إيجابيات ستتبلور صورتها تباعًا وتدرّجًا وصولًا إلى ما يؤّمن الاستقرار الدائم في المنطقة، انطلاقا من الحلحلة المتدرجة في اليمن، مرورًا بالعراق وسوريا وصولًا إلى لبنان، الذي سيتأثرّ حتمًا بما يمكن أن يُستتبع من استكمال حلقات هذا الاتفاق، الذي يحتاج إلى الكثير من العناية والمتابعة، من دون اهمال أي تفصيل من شأنه أن تتأثرّ به المحادثات المتواصلة بين القيادتين السعودية والإيرانية، وبالأخصّ التأثيرات الخارجية، حيث قد يرى البعض في هذه المصالحة بين الرياض وطهران ما يسيئ إلى مصالح بعض الأطراف في المنطقة، ومن بينها بالطبع إسرائيل.  
 
ما أوردناه في مقالة أمس عن اللقاء الذي جمع وزير خارجية إيران حسين أمير عبد اللهيان بالأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصرالله، وهو مستند إلى تحليل واستنتاجات وليس إلى معلومات، بدأ يتأكد إن لجهة المواضيع التي تمّ بحثها أو لجهة الأهمية التي توليها ايران للدور المحوري، الذي يمكن أن يلعبه “حزب الله” بعد مرحلتي التقارب السعودي – الإيراني، والتقارب المرتقب بين الرياض ودمشق. 
 
المنطق يقول إن “حزب الله” لن يبقى حالة خاصة في نمطية تعاطيه مع المملكة العربية السعودية، وهو بات اليوم مهيًّأ أكثر من أي وقت مضى لفتح صفحة جديدة مع المسؤولين السعوديين، وذلك وفق أجندة، يُقال إن الجانب الإيراني هو من يتولى إدراج مواضيعها وفق الأولويات، التي تصبّ في خانة ترسيخ التقارب السعودي – الإيراني.
 
ومن بين أهمّ المواضيع، التي ستدرج على أجندة “حارة حريك” للمرحلة المقبلة، منها ما يتصل مباشرة بالعلاقة المنتظرة بين لرياض و”حارة حريك”، وفق أسس محدّدة وقائمة على مبدأ “التعامل بالمثل”، ومنها ما يتصل بدور “الحزب” في لبنان وعلاقته بسائر الأطراف اللبنانية، التي تربطها علاقات جيدة وممتازة بالمملكة، ومن بينها “القوات اللبنانية” ونواب مستقلون من الطائفة السنّية، والتي هي على خلاف قديم مع “حزب الله”. 
 
ما لم يُقل عمّا حملته زيارة عبد اللهيان لبيروت أهمّ بكثير مما قيل وما سيُقال. فما قيل معروف ولا يحتاج إلى كثير من الجهد لفكّ رموزه غير الغامضة. أمّا ما لم يُقل فيحتاج إلى التعاطي معه بشيء من العقلانية البعيدة عن العواطف والأمنيات. وهذه العقلانية تفرض على من يتعاطى السياسة أن ينطلق من حيثياته للواقع بكثير من الشفافية والجرأة بالاعتراف بأن ثمة متغيرات في المنطقة لا يمكن تجاهلها والاستمرار في المراهنة على ما هو عكس التيار، وإلاّ نكون كتلك النعامة التي لم تسلم من بارود الصيادين، وهي التي اعتقدت أنها بدفن رأسها في الرمال تستطيع أن تغيّر الواقع، الذي لم تشأ أن تنظر إليه بموضوعية وجرأة وإقدام.  
 
مما لا شكّ فيه أن رياح التغيير بدأت تهبّ في المنطقة، وأن تأثيراتها الإيجابية ستشمل جميع الدول المرتبطة في شكل أو في آخر بإحدى عاصمتي المصالحة، وسيكون لهذا التغيير مفاعيله الإيجابية على عكس المفاعيل السلبية، التي تجمّعت في برك أكثر من دولة إقليمية، والتي طفت على سطح الأحداث طوال ما يناهز ربع قرن. ومن غير المنطقي ألا يتأثر لبنان بهذا المناخ التغييري الإيجابي، أقّله بالنسبة إلى ما يمكن أن ينتج عنه من تفاهمات داخلية برعاية خارجية على انتخاب رئيس جديد للجمهورية يكون ركيزة أساسية من بين ركائز أخرى لبدء استعادة الدولة لدورها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والانمائي كمقدمة لازمة لعودة الحياة إلى طبيعتها التدريجية.