أُثير الجدل في البلاد في الأيّام الأخيرة الماضيّة عن السبب الذي دفع إلى تناول موضوع النزوح السوريّ في لبنان، بهذه الوتيرة السريعة والمتصاعدة. وصحيحٌ أنّ لهذه الأزمة تداعيّات أمنيّة، من خلال زيادة معدل الجرائم والسرقات، وإقتصاديّة لم تعد الدولة قادرة على تحمّلها، في ظلّ إنهيار العملة الوطنيّة، إضافة إلى إستمرار تهريب المحروقات والدولارات والمواد الغذائيّة إلى الداخل السوريّ، عبر المعابر غير الشرعيّة، لكن هذا النقاش تزامن في الوقت الذي تشهد فيه السياسة مراوحة في الملف الرئاسيّ، الأمر الذي دفع مراقبين إلى الربط بين هذا الإستحقاق، وبين الرئيس القادر على معالجة أزمة النزوح.
ويُشير المراقبون إلى أنّ الكلام عاد عن النازحين أوّلاً، لأنّ العديد من المواطنين السوريين أصبحوا قادرين على التنقّل بحريّة بين بيروت ودمشق، من دون عوائق، في حين يستمرون بالعمل في لبنان، ومنهم لا يزال يدخل إلى البلاد بطرقٍ غير شرعيّة. غير أنّ الأهمّ بحسب المراقبين، أنّه حتّى اللحظة، لم يحصل أيّ خرقٍ في انتخابات رئاسة الجمهوريّة، مع وجود مرشّح لـ”الثنائيّ الشيعيّ” هو رئيس تيّار “المردة” سليمان فرنجيّة من جهّة، في المقابل، هناك “المعارضة” التي تقف عائقاً أمام إنتخابه من جهّة ثانيّة، مع إستمرار البحث عن مرشّح توافقيٍ.
ويعتبر المراقبون أنّه يبدو أنّ فريق الثامن من آذار هو المستفيد الأكبر من إثارة ملف النزوح السوريّ، وخصوصاً وأنّه يعمل جاهداً على إيصال فرنجيّة لبعبدا، من خلال التمسّك به، ورفضه الدخول في نقاش حول أسماء أخرى، وانتظاره لما ستؤول إليه الإتّصالات الخارجيّة، وبشكل أساسيٍّ الإجتماع الخماسيّ المرتقب بشأن لبنان، كذلك، التقارب السعوديّ – الإيرانيّ.
ويربط المراقبون أيّ ملفٍ متشارك بين لبنان وسوريا، بهويّة الرئيس المقبل، ومدى قربه من الرئيس السوريّ بشار الأسد، وهناك موضوعان بارزان لا يزالان من دون حلٍّ بين بيروت ودمشق، وهما ترسيم الحدود والثروات النفطيّة البحريّة، والنزوح السوريّ الذي يتطلّب ترحيباً رسميّاً من الإدارة السوريّة بالنازحين، لأنّ الكثير منهم كانوا مُعارضين للأسد، ومنهم حاربوا ضدّه. إلى ذلك، فإنّ الجّهات الدوليّة تقوم بتأمين مستلزمات وتُساعد النازحين ماديّاً على الأراضيّ اللبنانيّة، في حين، تعصف بدمشق أزمات معيشيّة وإقتصاديّة حادّة، وقد أتى زلزال 6 شباط ليزيد من وطأة هذه المآسي على السوريين.
واللافت أنّ فرنجيّة قال في آخر إطلالة تلفزيونيّة له، “أنا أملك شيئاً لا يملكه الكثيرون وهو ثقة “حزب الله” وثقة الرئيس السوري بشار الأسد وأنا أستطيع أن أنجز معهم ما لا يستطيع أن ينجزه آخرون”، في إشارة واضحة إلى النزوح السوريّ، والعلاقات الدبلوماسيّة والإقتصاديّة بين البلدين، وترسيم الحدود البحريّة الشماليّة. ويلفت المراقبون إلى أنّ أيّ رئيسٍ “سياديّ” لن تتعاطى دمشق معه كما فرنجيّة، فالرئيس المسيحيّ المقرّب من معراب والصيفي، وتوجّهه عربيّ – خليجيّ، لن يُبادر إلى التقارب من الدول المشرقيّة مثل سوريا وإيران والصين وروسيا، كما يطمح “حزب الله”. ويُضيف المراقبون أنّ الرئيس التوافقيّ سيكون وسطيّاً من كافة الأفرقاء، ولن يقوم بخطوة قد تعرّضه لمشاكل مع طرفٍ معيّنٍ، وخصوصاً لجهة التواصل مع سوريا. ويتخوّف المراقبون من إستغلال أزمة النزوح في القريب العاجل أمنيّاً، للتسريع بانتخاب رئيسٍ قادرٍ على إعادة النازحين سريعاً إلى سوريا. ويوضح المراقبون أنّ هناك شخصاً واحداً مطروحاً يستطيع معالجة هذه المعضلة، وهو فرنجيّة، وهذا سبب ودافع إضافيّ ليتشدّد “حزب الله” أكثر به، بحجة أنّ هذه المشكلة الخطيرة يُعالجها فقط الرئيس الذي يتحدّث مع سوريا ورئيسها. ولا يستبعد المراقبون في أنّ تدعو بعض الدول لبنان، كإيران أو روسيا التي لهما القرار في سوريا، إلى انتخاب رئيسٍ يتواصل مع الأسد، لوضع ملف النزوح السوريّ على طاولة المفاوضات المباشرة. ويُتابع المراقبون أنّ “حزب الله” أوجد نقطة قوّة جديدة لفرنجيّة، تُميّزه عن بقيّة المرشّحين، وربما قد تدفع بعض النواب إلى تبديل موقفهم منه والإقتراع له، إذا أخذ موضوع النازحين طابعاً أمنيّاً.