منذ “اهتزاز” مار مخايل، وربما سقوطه بضربة “حزب الله” القاضية، يجد رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير السابق جبران باسيل نفسه في موقف لا يُحسَد عليه، فالعلاقة مع “الحزب” مقطوعة بالكامل، على خلفية تبنّي الأخير لترشيح رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية إلى رئاسة الجمهورية، لكنّ “البديل” غير متوافر حتى الآن، نتيجة رفض قوى المعارضة تلقّف “يده الممدودة”، وبالتالي وضع يدها بيده.
كثيرة هي “الشواهد” على ذلك، فرئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع الذي وجّه له باسيل رسائل “ودية”، حين نصّبه إلى جانبه “ناخبًا رئاسيًا أول”، بالنظر إلى “الحيثية” التي يملكها، لا يوفّر مناسبة إلا ويكرّر رفضه تكرار “خطيئة” تفاهم معراب، فيما رئيس حزب “الكتائب” سامي الجميل مثلاً، يقول صراحةً وفي أحاديثه الصحافية، إنّه لا يمكن أن ينظر إلى باسيل بصفته “معارضًا”، بل جزءًا من “المنظومة”.
يثير الأمر الكثير من الالتباس، فلماذا تتمسّك المعارضة بموقفها “السلبي” بالمطلق من باسيل، إن جاز التعبير، وترفض تلقّف يده الممدودة، رغم أنّ “مصلحتها الآنية” تتطلب منها أداءً مغايرًا، ولا سيما أنّ تفاهمها مع باسيل من شأنه أن “يطيح” بحظوظ فرنجية الرئاسية مثلاً، بل يشكّل ضربة في الصميم لـ”حزب الله”؟ وهل يمكن أن يتغيّر هذا الواقع، فنشهد نسخة جديدة من “تفاهم معراب”، ولو بصيغة مختلفة في الشكل والمضمون؟!
“التوجّس” من باسيل
يتحدّث المعارضون عن “هواجس مشروعة” لدى العديد من قوى المعارضة من باسيل، تحول دون اعتباره “شريكًا فعليًا”، ولو كانت مدركة ضمنًا أنّه يشاركها رفض ترشيح فرنجية للرئاسة، والرغبة في التصدّي لمحاولات “فرضه” رئيسًا، ومنها أنّ رئيس “التيار الوطني الحر” يبحث عن “مصلحته”، وبالتالي فهو لا يسعى سوى لانتزاع “الفيتو” على فرنجية، قبل أن يعاود “الانقلاب” عليها، في سبيل ترتيب موقعه في السلطة.
وإذا كان الكثير من المعارضين “اشترطوا” على باسيل سابقًا أن يتبنّى مرشح المعارضة، من أجل عقد التفاهمات معه، خصوصًا أنّ تفاهم معراب الذي تنصّل منه، كان يفترض أن يكرّس “الشراكة”، وبالتالي “التناوب” على السلطة، فإنّ رهان هذه القوى على حصول ذلك يكاد يكون “معدومًا”، ولا سيما أنّ باسيل يضع ضمن “مواصفات” الرئيس العتيد، ضرورة ألا يثير “حساسية” أحد، وخصوصًا “حزب الله”.
يقول المعارضون في هذا الإطار إنّهم غير مقتنعين بـ”القطيعة” بين باسيل و”حزب الله”، رغم كل محاولاته إيحاء عكس ذلك، فهو لن يتأخّر في إعادة “الودّ” إلى علاقته به، متى أعلن الأخير تراجعه عن دعم فرنجية، علمًا أنّ باسيل حين كان “الطفل المدلل” لدى الحزب، تخلّى عن الجميع، وأبدى عدم اكتراثه بعقد التفاهمات، بعكس ما يفعل اليوم، ما يكرّس فكرة “المصلحة” التي ينطلق منها، ويقوم كلّ حراكه على أساسها.
“المصلحة” أولاً وأخيرًا
تخشى المعارضة إذاً من باسيل، الذي لا يسير برأيها وفقًا لأيّ “مبادئ سياسية”، بل يبحث عن “المصلحة” أولاً وأخيرًا، حيث إنه يمارس في الانتخابات الرئاسية “التكتيك” نفسه الذي مارسه في الانتخابات النيابية، إذ “ينفتح” على خصومه وفقًا للأهواء الانتخابية فقط، أو وفق مبدأ “على القطعة” الذي ابتكره، وجعله قادرًا على تبرير “التحالف” مع اليمين واليسار على حدّ سواء، من دون أيّ اعتبار للقيم التي يفترض أنه يؤمن بها أو ينشدها.
لكنّ مخاوف المعارضة هذه لا تبدو “مقنعة” للمحسوبين على “التيار الوطني الحر” الذين يشيرون إلى أنّ باسيل جدّي في “انفتاحه”، فهو منذ اليوم الأول لفتح “البازار” الرئاسي، مدّ يده نحو الجميع، في محاولة لإبرام التفاهمات، لكنه اصطدم بالمواقف السلبية، وهو لا يزال مقتنعًا أنّ أيّ “تقاطع” بينه وبين “القوات اللبنانية” بشكل خاص من شأنه أن يخلط كلّ الأوراق الرئاسية، ويقلب الطاولة على كلّ الفرقاء، من دون استثناء.
وفيما يلفت هؤلاء إلى أنّ باسيل أثبت أنّه ليس “تابعًا” لـ”حزب الله” كما صوّره الخصوم، بدليل المواقف “الجريئة” التي اتخذها رفضًا لترشيح الحزب لفرنجية، يستغربون أن “يُستفَزّ” البعض من قوله إنّه يريد رئيسًا لا يثير “حساسية” الحزب، في حين أنّ القاصي والداني يدرك أنّ الإتيان برئيس يشكّل “تحديًا” للحزب أو لأيّ فريق آخر لا يمكن أن يستقيم، وأنّ المطلوب التفاهم على رئيس يكون سياديًا وإصلاحيًا، ومقبولاً من الجميع.
تتحدّث بعض المعطيات عن اتصالات قائمة على قدم وساق بين باسيل وبعض قوى المعارضة، ولا سيما “القوات اللبنانية”، التي لاحظ البعض إشارة “إيجابية” في بيانها الأخير لموقف “التيار”، خلافًا للعادة، في مفارقة مثيرة للانتباه. لكن، بمعزل عن مدى صدقية هذه الأنباء، ومآلاتها المتوقعة، يبقى الأكيد أنّ احتمال التوصّل إلى “اتفاق” يشبه تفاهم معراب، يبقى من “سابع المستحيلات”، حتى الآن على الأقلّ، وفق كلّ المعنيّين بالأمر!