كتبت هيام قصيفي في” الاخبار”:سيمرّ وقت طويل قبل أن تنتظم مجدداً علاقات القوى المسيحية وبكركي مع فرنسا. ما كان صعباً تخيّله بين مسيحيّي لبنان وموارنته وبين باريس، أصبح أمراً واقعاً منذ أشهر، ولم تبدأ الدوائر المعنية في فرنسا التعامل مع حساسيته إلا أخيراً، لكن من دون حماسة. إذ لا يزال فريق الإليزيه يتصرّف مع القوى المسيحية على أنها «درجة ثانية» في التراتبية التي تعوّل عليها لتسويق وصول مرشحها رئيس تيار المردة سليمان فرنجية الى القصر الجمهوري، علماً أن القوى المسيحية وبكركي على السواء تأخّرت في التقاط الفرصة منذ بداية المسعى الفرنسي لكبح جماحه، قبل أن يصبح ترشيح فرنجيّة أمراً واقعاً بدفع من الرئيس نبيه بري، رغم أن أولى الإشارات على هذا التحوّل بدأت منذ ما بعد انفجار المرفأ بعدما ذهبت الاندفاعة العاطفية لماكرون لتصبّ في اتجاه آخر.
Advertisement
عدا عن قداس ثاني عيد الفصح الذي تقيمه بكركي على نية فرنسا، وهو تقليد فقد منذ زمن الغرض منه، لم يعد هناك الكثير سياسياً ممّا يجمع باريس والموارنة. ولم تعد اللغة الفرنسية وحدها كفيلة بإبقاء الجاذبية لدى شرائح سياسية، لأن الأشهر الأخيرة كسرت بعض المحرّمات في التعامل مع باريس على أنها تمثّل مصالحها أولاً ومصالح إيران ثانياً. ورغم أن باريس ظلّلت تسوية الرئيس ميشال عون والرئيس سعد الحريري، إلا أن وجود تفاهم ماروني بين التيار والقوات ومباركة بكركي خفّفا من وطأة الدور الفرنسي حتى على أقسى المعترضين على التسوية السابقة.
ثمّة اقتناع لدى قوى مسيحية بأنّ باريس ستكون عاجلاً أمام اختبار إعلان وصول مقترحها الى طريق مسدود، وبعض هذه القوى يعوّل على تحرك «فرنسيّي بيروت» في باريس، وعلى الفشل المتكرر لسياسة ماكرون الخارجية ولبنان جزء منها، لكنّ هناك اقتناعاً بأن ذلك كله لم يعد كافياً، لأنّ الرهان الأهمّ قد يكون على دور الرياض وواشنطن في فرملة السياسة الفرنسية، كما على دور فاتيكاني يسعى الى إعادة تصويب البوصلة الفرنسية. وفي كل الأحوال، فقدت القوى المسيحية الثقة بإدارة الرئيس الفرنسي، وسيتطلّب إصلاحها وقتاً، حتى لو فشلت تسوية فرنجية رئيساً للجمهورية. إلا إذا كانت باريس حسمت خيارها فعلياً، بما يتعدّى التسوية الرئاسية، لمصلحة ما تعتبره أمراً واقعاً مربحاً على المدى الطويل قادراً على أن يقدّم لها فعلياً حماية مصالحها. فهل يملك المسيحيون والموارنة فعلياً ما يمكن أن يقدموه لها؟