كتب صلاح سلام في” اللواء”: القاضية غادة عون شخصية مثيرة للجدل والخلافات، وهي أشبه بظاهرة ملتبسة، ذهبت بعيداً في تسييس تحقيقاتها القضائية وقراراتها الاتهامية، ولم تتورع عن التفاخر بإنتمائها لتيار سياسي سيطر على السلطة في العهد السابق، وتصوّرت أن التيار الذي تحصنت بنفوذه، قادر أن يحمي مخالفاتها القانونية الفادحة.
Advertisement
أهل القضاء والمحاماة عرفوا القاضية عون بخبرتها القضائية، وسلوكها النظامي، وحرصها على الإلتزام بالقانون نصاً وروحاً. ولكن هذه الميزات التي كانت موضع تقدير من زملائها القضاة، ومن كبار المحامين الذين ترافعوا أمامها، تلاشت فجأة، بمجرد وصول نسيبها العماد عون إلى قصر بعبدا، حيث تحولت القاضية الرصينة إلى شخصية إستفزازية لزملائها في القضاء أولاً، ثم مع المعنيين في التحقيقات والملاحقات الإستنسابية، من متهمين وأشباه متهمين لا ينتمون لفريقها السياسي.
أول مكافأة نالتها القاضية المتمردة على الأصول القانونية جاءت من رئيس الجمهورية السابق العماد عون الذي عطّل أول تشكيلات قضائية جرت في عهده، أصدرها مجلس القضاء الأعلى بالإجماع، ووافقت عليها وزيرة العدل المحسوبة على تيار الرئيس السياسي. وبقيت هذه التشكيلات في أدراج رئاسة الجمهورية حتى نهاية الولاية العونية، لأنها قضت بنقل القاضية من منصب المدعي العام في جبل لبنان!
وكرت سبحة مخالفات القاضية عون، بعد هذا الدعم غير المسبوق من رئاسة الجمهورية، والذي أُعتبر تدخلاً سافراً في شؤون القضاء، فيما كان العهد يرفع شعار تحقيق إستقلالية القضاء، في جملة الشعارات التي بقيت مجرد كلام في الهواء.
تجاوزت عون حدود صلاحياتها القضائية، وإجتاحت الخطوط الحمر بالتمرد على قرارات المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات، ولم تأبه لتحذيرات مجلس القضاء الأعلى ورئيسه القاضي عبود، وفتحت على حسابها، ولمصلحة تيارها السياسي في كيل الإتهامات لكل من يرفع صوته ضد العهد. وساهمت بسبب مغالاتها في مراعاة الإعتبارات السياسية، في تمييع التحقيقات في العديد من الملفات المالية والإصلاحية.
وفي واقعة مشهودة، داهمت «شركة مكتف لنقل الأموال»، خلعت الأبواب، وأخذت أجهزة الكومبيوتر بحجة كشف داتا التحويلات المالية إلى الخارج وأصحابها، ولكن مضت الأيام ولم تتجرأ على إعلان فشلها في العثور على ما يُدين تلك الشركة التي قضى صاحبها بعد أشهر قليلة من إجتياح مؤسسته بدون قرار قضائي.
قرار المجلس التأديبي بطرد القاضية غادة عون قد يكون جاء متأخراً، ولكن كان لا بد منه للحفاظ على ما تبقى من كرامة وهيبة القضاء، فهل يكون الخطوة الأولى في مسيرة إصلاح القضاء؟