بين تحرّك كل من سفراء المملكة العربية السعودية وليد البخاري، والولايات المتحدة الأميركية دوروتي شيا، والفرنسية آن غريو، فضلًا عن الجولات التي يقوم به كل من نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب والنائب غسان سكاف، مع ما يتخلّل كل هذا الحراك من مواقف غامضة، وتحتاج في كثير من الأحيان إلى منجمين ومبصرين وضاربين بالكف لكي يفسرّوا ما لا يُفسّر، نقف حائرين وضاربين أسداسًا بأخماس من دون أن نعرف ما يجري في كواليس “اللعبة الرئاسية”.
وإذا صودف ونجح البعض في فكّ بعض الطلاسم السياسية يكون تفسير ما لا يُفسّر أكثر غموضًا، يقضي المواطن معظم أوقاته متصفحًا صحيفة من هنا، أو “مفليًا” موقعًا اخباريًا من هناك، لعلّه يجد من ينقذه من حال الضياع، التي أوقعه فيها معظم السياسيين، الذين باتوا محترفين في قول الشيء ونقيضه. وهذا ما يزيد المواطن المنتظر أي حلّ كان، إن لم نقل أي رئيس كان، على أحرّ من الجمر.
فالحلول لسلسة أزماتنا لن تأتي دفعة واحدة، وهي حتمًا لن تأتي في جعبة الرئيس العتيد، في حال تمّ التوافق عليه قريبًا. وفي هذا المجال أيضًا يسمع المواطن في اليوم القصير ألف خبرية وخبرية من هذا السياسي أو ذاك المحلّل والمنظّر حول مواقيت انتخاب هذا الرئيس، الذي لا تزال ملامحه غير واضحة، أو كما يُقال إن الظروف المؤاتية لم تنضج بعد. فمنهم من يجزم بأن التوافق على اسم الرئيس حاصل حتمًا قبل القمة العربية التي ستعقد في جدة في 19 الجاري، وكأن لا همّ لدى القادة العرب سوى الحلول مكان اللبنانيين أنفسهم وانتخاب رئيس لهم. فلهؤلاء القادة هموم أخرى. هم مهتمّون بمسألة إعادة سوريا إلى الحضن العربي، ومشغولون بالحرب الدائرة في السودان وما تنذر به من أخطار على الصعيدين الدولي والإقليمي، فضلًا عن تثبيت الهدنة في اليمن من خلال تفعيل مفاعيل التقارب السعودي – الإيراني.
وقد لا يكون سياسيو لبنان قد “ضيّعوا” المواطن اللبناني وحده، بل أيضًا المسؤولين العرب، ومعهم مسؤولو المجتمع الدولي، الذين لا يزالون يتعاملون مع الأزمة اللبنانية كما يتعامل المزارع مع “طعم الاجاص”، الذي يحتاج إلى الكثير من الدّقة والعناية والخبرة، وذلك لكثرة حساسيته، بحيث لا يُسمح بتعريضه لأي انتكاسة قد تتأتى من ريح غير منتظرة وغير محسوبة النتائج.
فالتفسيرات والاجتهادات التي تُعطى لتحرّك السفير البخاري كثيرة.
ولكل تفسير أسبابه، خصوصًا أن كل فريق من الأفرقاء يحاول تفسير ما لا يحتاج إلى تفسير وفق ما تمليه مصلحته، أو من قبيل التمني، أو على سبيل مقاربة ما يتمّ تداوله في اللقاءات المغلقة من منطلقات غير واقعية وغير منسجمة مع روحية المبادرة السعودية، التي أصبحت واضحة كعين الشمس.
صحيح أن المملكة لا تريد أن تدخل في “لعبة” الأسماء الرئاسية، ولكنها تحرص في الوقت نفسه على أن تجري الانتخابات الرئاسية اليوم قبل الغد، لأنها تدرك أهمية انعكاس هذا الاستحقاق على الاستقرار الداخلي بكل مندرجاته.
وما يقوم به في خلال جولته هو حثّ المسؤولين على توافقهم الداخلي وعدم الاتكال كثيرًا على الخارج، الذي له انشغالاته وهمومه، وأن جلّ ما يستطيع تقديمه هو المساعدة على تثبيت ما يتوافق عليه اللبنانيون.
ولكن كلمة توافق، التي نسمع تردادها كثيرًا هذه الأيام، لم تجد طريقها بعد لدى المسؤولين اللبنانيين، الذين لا يزالون يتصرّفون وكأن “الدني بألف خير”.