صرف القاضية غادة عون.. لماذا بدا اعتراض التيار خجولاً؟!

9 مايو 2023
صرف القاضية غادة عون.. لماذا بدا اعتراض التيار خجولاً؟!


خجولاً إلى حدّ بعيد، بدا موقف “التيار الوطني الحر” من قرار “صرف” القاضية غادة عون من الخدمة، وهي التي لطالما عُرِفت بـ”قاضية العهد” خلال ولاية الرئيس السابق ميشال عون، حتى إنّه جمّد التشكيلات القضائية لضمان موقعها وفق ما تقول بعض الأوساط، إذ اكتفى خلافًا للتوقعات، ببعض التغريدات على مواقع التواصل، والتصريحات عبر وسائل الإعلام، معطوفة على بيانات لا تقدّم ولا تؤخّر كثيرًا.

Advertisement

 
ففي وقت كان بعض القياديّين في “التيار الوطني الحر”، يدعون لتحرّكات شعبية تشبه ما حصل في 17 تشرين الأول 2019، باعتبار أنّ “إقصاء” القاضية عون هو بمثابة “انقلاب قضائي” لا يمكن أن يمرّ مرور الكرام، ولا سيما أنّ الأخيرة ترفع لواء “محاربة الفساد”، بدا كأنّ الأخيرة تُرِكت وحيدة في “المعركة”، حيث دعت إلى “تحرير القضاء”، فيما كانت قيادة “التيار” تنأى بنفسها عن كلّ شيء، وقد “ضبطت” مستوى ردود الفعل إلى الحدّ الأدنى المُتاح.
 
وإذا كان هناك من عزا الأمر إلى كون المسار القانونيّ لم ينتهِ، باعتبار أنّ القاضية عون لا تزال في الخدمة، طالما أنّ القرار لن يصبح نافذًا، قبل صدور حكم الاستئناف، ما يعني أنّ المعركة “مؤجّلة”، فإنّ ذلك لم يمنع من طرح علامات الاستفهام، فلماذا اقتصرت ردود “التيار” على الجانب الإعلامي، في وقت كان المحسوبون عليه قبل الخصوم يستنتجون من القرار “استهدافًا متعمّدًا” لمن يصطلح على وصفهم بـ”رموز” العهد السابق؟!
 
استهداف لـ”التيار”؟! 
رغمّ أنّ قرار صرف القاضية غادة عون، غير النهائي ولا النافذ والقابل للاستئناف، صدر بعد شكاوى كثيرة بحقّ القاضية، المتهَمة بمخالفة الكثير من القواعد الإدارية واللوجستية، والخارجة على أصول التحفّظ، وقد أرفق بملفّ معلّل طويل، ولو بقي “سريًا”، وفق ما يقول العارفون، فإنّه قوبل باستهجان واسع في داخل “التيار الوطني الحر”، الذي لم يتأخّر في الحديث عن “رسالة” موجّهة إليه، عبر استهداف من هم “محسوبون عليه” في الدولة.
 
ومع أنّ هذا “الاستنتاج” يحمل بين طيّاته “إساءة” إلى القاضية عون، بل “إدانة” لها، عبر تصنيفها “محسوبة” على فريق سياسي محدّد، في حين أنّها يفترض أن تحكم باسم الشعب اللبناني برمّته، يقول المقرّبون من “التيار” إنّ “الرسالة وصلت”، مشدّدين على أنّ “التيار” الذي لم يخضع سابقًا، لن يرضخ اليوم، علمًا أنّ هناك من ذهب لحدّ ربط الأمر بالموقف “العوني” المتصلّب وغير المَرِن من استحقاق الانتخابات الرئاسية “المجمَّد”.
 
لكن، أبعد من استهداف “التيار” عبر ضرب “رموزه”، يرى المحسوبون على “الوطني الحر” أنّ مشكلة قرار “صرف” القاضية عون أنّه يوجّه رسالة “سلبية” إلى جميع اللبنانيين، مفادها أنّ “المنظومة” لا تزال ثابتة على محاربة كلّ من يحاول تجاوز “خطوطها الحمراء”، باعتبار أن القاضية عون “تجرّأت حيث لم يجرؤ أحد”، وفق القراءة “العونية”، في إشارة إلى فتحها ملفات الأموال المنهوبة، ولو أنّها متهمة بـ”الاستنسابية”، بحسب خصوم “التيار”.
 
أين التحرّكات؟ 
لكن، إذا كان هذا موقف “التيار الوطني الحر” من “إقصاء” عون، من حيث أنّه لا يشكّل استهدافًا للعهد السابق ورموزه، ولـ”التيار” فحسب، ولكن للشعب اللبناني بأسره، فلماذا جاءت الردود “مضبوطة” إلى هذا الحدّ البعيد؟ وكيف يمكن تفسير “استهجان” الإعلام “العوني” أن يكون قرار إقصاء القاضي لم يؤد لـ”انتفاضة”، محقّة هذه المرّة، في حين أنّ “أم الصبي”، إن جاز التعبير، اختارت النأي بنفسها، والاكتفاء بـ”بروباغندا” من المزايدات، لا أكثر ولا أقلّ؟!
 
ينفي المحسوبون على “التيار” كلّ هذه الأقاويل، مشدّدين على أنّ “التيار” لم يتأخّر في التضامن مع القاضية غادة عون، حيث صدرت مواقف واضحة في هذا الاتجاه ولا تحتمل اللبس، من أعلى الهرم، وتحديدًا من الرئيس السابق ميشال عون، كما رئيس “التيار” الوزير السابق جبران باسيل، كما أنّ جمهور “التيار” لم يتأخّر في الدفاع عنها، ولو أنّ الهاجس الأكبر بالنسبة إليه، كان رفض تحويلها إلى “قاضية عونيّة” كما يحلو للمتضرّرين من أدائها توصيفها.
 
يقول هؤلاء إنّ المطلوب كان أن تتفاعل شرائح أوسع مع القرار، لتفجّر “الانتفاضة” التي يقول “التيار” إنّها مطلوبة من أجل “تحرير القضاء”، الأمر الذي يستهجنه الكثير من خصوم “التيار”، الذين يلفتون إلى أن التضامن مع القاضية عون من شأنه أن يدفع أكثر نحو “تسييس” القضاء، ويحفّز القضاة للحصول على “حصانة” هذا الحزب أو ذاك، علمًا أنّ القاضية المذكورة متهَمة بالاستنسابية، بل بـ”غضّ النظر” عن الكثير من الملفات الأساسية، التي تدين “التيار” قبل غيره.
 
ثمّة من يخشى أن يقع “التيار” في فخّ “إدانة” القاضية غادة عون في معرض الدفاع عنها، وخصوصًا عبر “تكريسها” قاضية “عونية”، هو ما يجب أن تتصدّى له قبل غيرها، لكن ثمّة من يسأل أبعد من ذلك، عن دلالات “حصر” الانتفاضة بالقاضية، التي لم تكفّ يدها أساسًا، كما كُفّت يد غيرها، والتي بقيت ملفاتها مفتوحة، في حين أنّ ملفًا بحجم انفجار مرفأ بيروت مثلاً، أغلِق بقرار قضائي سياسي، من دون أن يدفع “التيار” إلى الاستنفار نفسه!