رسائل بارزة.. هكذا إنخرط حزب الله في معركة غزّة!

14 مايو 2023
رسائل بارزة.. هكذا إنخرط حزب الله في معركة غزّة!

في خطابهِ يوم الجمعة الماضي، أسّس الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله جملة من التطوّرات التي قد تحصلُ على الجبهة مع فلسطين المحتلة، وذلك وسط التصعيد الذي شهدهُ قطاع غزّة بسبب عدوانٍ دام لـ6 أيام، وانتهى باتفاقٍ لوقف إطلاق النار مساء أمس السبت بوساطة مصريّة.  

حتماً، أراد نصرالله أن يكون الحزبُ حاضراً في السّاحة، فمراقبة التطورات قائمة لكنّ كلامهُ عمّا يجري داخل فلسطين هذه المرة حمل رسائل أساسيَّة يجب الوقوف عندها وعدم إغفالها أبداً. خلال كلامهِ، أكّد نصرالله أنَّ “المقاومة في لبنان” راقبت الأوضاع في غزة، كاشفاً أن “حزب الله قدَّم في حدودٍ معينة المساعدة الممكنة”. هنا، تكمُن الرسالة الأولى التي تحدث عنها نصرالله، وما يتبين هو أن الحزب انخرطَ في حرب غزّة ولكن بشكلٍ غير مباشر، والأمرُ هذا حصلَ في وقتٍ سابق أصلاً عام 2021 حينما شنّت “إسرائيل” حرباً ضد القطاع عُرفت حينها بمعركة “سيف القدس”. 
فعلياً، لم يكشِف نصرالله عن نوع المُساعدة التي قدّمها الحزب للمقاومة الفلسطينية، إلا أن بعض الإشارات التي صدرت من جهة الحزب ومن الفصائل الفلسطينية المُقاتلة في غزة، تُوحي بأنَّ هناك غرفة عمليات مشتركة بين الطرفين في لبنان. وفي السياق، تقولُ معلومات “لبنان24” من مصادر مقرّبة من “حزب الله” إنَّ الأخير كان على تواصلٍ مفتوح مع قادة حركة “الجهاد الإسلامي” الموجودين في لبنان، في حين أنّ نصرالله كان يعقدُ اجتماعاتٍ دورية مع كوادر الحزب لتقييم التطورات بشكلٍ مستمر. مع هذا، لم تستبعد المصادر أن يكون الحزب قد قدّم مساعداتٍ ملموسة لـ”حركة الجهاد” في غزّة من خلال إرسال خبراء عسكريين عبر البحر، وبطبيعة الحال لن يكشف الحزب عن حصول ذلك حقاً باعتبار أنّ هذا الأمر يندرجُ في إطار “التكتّم الشديد” عن التكتيكات التي تعتمدها فصائل المقاومة في فلسطين للتواصل مع الحزب بشكلٍ مباشر. 
في الواقع، كان حرصُ نصرالله على تأكيد “التعاون” وعدم الكشف عن جوانبه، بمثابة عنصرٍ أساسي لزيادة الضغط على الجانب الإسرائيليّ الذي يعي تماماً أن “حزب الله” يرصدُ ما يجري بشكلٍ مستمر. وتزامناً مع معركة غزة، كان الحزب قد أسس لإستنفارٍ عالي المستوى عند حدود لبنان مع فلسطين المُحتلة، لكنّ هذا الأمر لم يستتبع أي تأهّبٍ للوحدات الصاروخيّة النوعية لأنه وبحسب ما تبيّن من كلام نصرالله، لم يقرّر “حزب الله” الخوض في المعركة الحالية عبر فتح جبهة من جنوب لبنان.. فما الأسباب وراء ذلك؟ 
ما بدا واضحاً هو أنّ “حزب الله” آثر الإبتعاد عن الجبهات القتالية في الوقت الراهن إفساحاً في المجال أمام حركات المقاومة الفلسطينية بتأدية دورها في القتال. كذلك، كانت الحرب الأخيرة بمثابة تقييم لجهوزية حركة “الجهاد الإسلامي” ولقدرة صمود غزة ضدّ أي عدوان إسرائيلي. أما الأمر الأهم فكان يتمحور حول إختبار جهوزية فصائل المقاومة لصدّ الإعتداءات من جهة، ولتكريس توازن رعبٍ بنفسها ضدّ “إسرائيل” عبر صواريخها التي أربكت تل أبيب ودفعتها مرغمة إلى القبول بوقف إطلاق النار. لهذا، كانت المعركة حاسمةً جداً والهدف منها كانَ اكتشاف ما ستفعله القدرات العسكرية بالكيان الإسرائيلي، وحقاً هذا ما جرى فـ”الرعب” كان كبيراً رغم التصعيد الكلامي الذي اعتمدته حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بشأن المعركة. 
إلى جانب كل ذلك، قد يكون “حزب الله” قرّر عدم الإنخراط في مواجهة مباشرة مع “إسرائيل” من جنوب لبنان، وذلك كي يفتح المجال أمام معادلة جديدة عنوانها: فصائل المقاومة في غزة تُربك إسرائيل بشدة، فيما “حزب الله” يهدّد الأخيرة أيضاً من لبنان. حتماً، توازن الرعب الذي تأسس كان كافياً لاعتبار الحزب أن المعركة قد انتهت بانتصار الفلسطينيين، والدليل على ذلك هو أن الإسرائيليين لم يتمكنوا من دخول القطاع ولم ينفذوا أي عملية بريّة. وعملياً، لو حصل ذلك وبات قطاع غزة تحت الإحتلال مُجدداً، لكان الحزب قد فتح جبهة من جانب لبنان، لكن هذا الخيار كان مستبعداً طالما أن خطوط الحرب كانت مضبوطة على أكثر من اتجاه. 
مع كل هذا،  يتضح أيضاً أنَّ الحراك العربي على خط وقف إطلاق النار كان تحت أنظار الحزب، لاسيما أنّ مصر قادت جهود الوساطة بين الفلسطينيين والإسرائيليين. عند هذه النقطة، قد يكون “حزب الله” آثر عدم زيادة الضغط على الوساطة بعدم فتح جبهة جديدة أو كسر الوساطات العربيّة، وهذا الأمر يعني أن معركة وحدة الساحات التي تخشاها “إسرائيل” لم تتحقق هذه المرة رغم اندلاع حرب غزّة. 
إذاً، في خلاصة الأمر، يمكن القول إنّ جبهة المقاومة الفلسطينية هي التي انتصرت في معركتها الأخيرة، علماً أن القواعد التي تمّ إرساؤها لا يمكن إغفالها بتاتاً وهي: تكريس توازن رعب جديد – بروز حركة مقاتلة داخل غزة إلى جانب حركة حماس – جعل غزة خاصرة موجعة في جسد الكيان الإسرائيلي – وجود صواريخ جديدة خلطت الأوراق وأرغمت إسرائيل على تبديل شروطها – الخشية من اندلاع معركة كبرى على مختلف الساحات يديرها “حزب الله” من لبنان.