مع أنّ رئيس مجلس النواب نبيه بري لم يدعُ بعد إلى جلسة جديدة لانتخاب رئيس للجمهورية، تفاديًا ربما لتكرار “مسرحيات الخميس” التي تخطّت أضرارها منافعها، فإنّ التكهّنات حول “السيناريوهات المحتملة” لأيّ جلسة انتخابية جديدة يمكن أن تُعقَد اليوم بدأت تتفاعل بشكل واسع، خصوصًا أنّ “المعادلات” اختلفت إلى حدّ بعيد منذ آخر الجلسات، مع ظهور مرشحين جُدُد، وخروج مرشّحين قدامى من “السباق”.
Advertisement
لعلّ الاختلاف الأكبر بين آخر الجلسات اليوم أنّ “الثنائي الشيعي” مثلاً انتقل من تكتيك “الصمت”، الذي كان يترجم بـ”أوراق بيضاء”، إلى الدعم الصريح والعلني لرئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، في حين أنّ المعارضة تراجعت عن مرشحها المُعلَن، النائب ميشال معوض، وإن رفض بعض مكوّناتها المجاهرة بذلك، ولو أنّها لم تعلن حتى الآن اسم “البديل”، في ضوء التداول بعدد من الأسماء، يتقدّمها الوزير السابق جهاد أزعور.
استنادًا إلى ما تقدّم، يطرح البعض سيناريو قد يكون “نادرًا” في لبنان، إذ لم يحدث سابقًا إلا مرّات قليلة، وربما “يتيمة”، وهو سيناريو “مواجهة انتخابية” في البرلمان، تضع فرنجية وأزعور، أو أيّ مرشح آخر تتوافق عليه المعارضة، في قلب “المعركة”، فهل مثل هذا السيناريو وارد فعلاً؟ وهل يمكن أن تعقد جلسة انتخابية لا تكون نتائجها مضمونة سلفًا، كما درجت العادة أخيرًا، حين أصبح دور البرلمان “التصديق” على التسويات؟!
“تقاطع” الفريقين المتخاصمين
على مستوى المواقف، يبدو أنّ فريقي الموالاة والمعارضة “يتقاطعان” على تأييد مثل هذا السيناريو، الذي قد يشكّل “خطوة نوعية” في المسار الديمقراطي، فالفريق المؤيّد لرئيس تيار “المردة”، وفي مقدّمه “حزب الله”، يقول صراحةً إنّه مارس حقّه الطبيعيّ باختيار مرشحه، وإنّ على الفريق الآخر بالتالي القيام بالمثل، واختيار المرشح الذي يشاء، لينزل الجميع في النتيجة إلى مجلس النواب، وفقًأ للأصول والقوانين.
أما المعارضة، فيبدو موقفها “متقدّمًا” على الموالاة في هذا الاتجاه، فهي تدعو منذ اليوم الأول إلى مثل هذا السيناريو، بل إنّها تنتقد رئيس مجلس النواب لأنّه يرفض، وفق قولها، الدعوة إلى جلسات برلمانية، كما ينصّ الدستور، إذا لم يكن قد ضمن سلفًا حصول مرشحه على 65 صوتًا بالحدّ الأدنى، وربما تأمين النصاب المطلوب من أجل فوزه، منعًا لـ”احتراق” ورقته، في حال “خسارة” المعركة على الأرض.
ورغم أنّ المعارضة تلوّح بتعطيل نصاب أيّ دورة ثانية في حال كان فرنجية ضامنًا للفوز، باعتبار أنّها تواجه “حزب الله” بطريقته وأسلوبه، فإنّ المحسوبين عليها يؤكدون أنّهم مع سيناريو “المواجهة” منذ اليوم الأول، حيث يدعون باستمرار لجلسات “مفتوحة” لا تنتهي إلا بتصاعد “الدخان الأبيض” وانتخاب رئيس، لكنّ المشكلة أنّ الفريق الآخر هو الذي يرفض الديمقراطية، إلا حين تكون “مضمونة” لصالحه.
هل هذا السيناريو واقعي؟
لكن، إذا كان الفريقان المتخاصمان “يتقاطعان”، نظريًا وافتراضيًا، على “سيناريو” المواجهة الرئاسية تحت قبة البرلمان، فإنّ ذلك لا يعني أنّها حاصلة، بل إنّ العارفين يستبعدون حصولها إلا في حال كان الهدف “جسّ النبض” مثلاً، على أن تقتصر على دورة أولى يطير بعدها النصاب، تمامًا كما كان يحصل في الجلسات السابقة، حين كان المرشح ميشال معوض ينافس الورقة البيضاء، ليخرج أنصار الأخيرة من الجلسة بعد ذلك.
وفي حين ثمّة من يشكّك أصلاً بفكرة “المواجهة” هذه، باعتبار أنّ المعارضة لم تعلن حتى الآن عن توصّل مكوّناتها إلى اتفاق نهائي وحقيقيّ، يرى آخرون أنّ مؤشرات عدّة توحي بوجود عقبات عدّة تحول دون هذا الاتفاق، فرغم ارتفاع أسهم أزعور على سبيل المثال، لا يبدو أنّ “الإجماع” حوله متوافر بين قوى المعارضة، التي لا تزال “مشتّتة”، بين أفرعها الحزبية والمستقلة والتغييرية، وإن حاولت الإيحاء بعكس ذلك.
أكثر من ذلك، يستبعد كثيرون “سيناريو” المواجهة هذه انطلاقًا من قناعة ثابتة بأنّ انتخاب الرئيس لا يمكن أن يحصل، من دون “تقاطع” داخلي خارجي يسبق أيّ جلسة مخصّصة له، ما يعني أنّ الاستحقاق لن يكتمل إلا بموجب “تسوية”، تكون عناصرها واضحة ومتكاملة، حتى لو لم ينخرط فيها جميع الفرقاء في نهاية المطاف، تمامًا كما حصل عند انتخاب الرئيس السابق ميشال عون، مع تحفّظ بعض القوى الذي لم يصل لحدّ “المواجهة”.
يقول البعض إنّ “المواجهة الانتخابية”، وإن كانت من “أرقى” أشكال اللعبة الديمقراطية، لكنّها تبقى غير واردة في السيناريو اللبنانيّ، إذ إنّ القاصي والداني يدرك أنّ انتخاب الرئيس يشترط “الحوار والتفاهم”، خصوصًا أنّ كلّ فريق يتسلح بـ”بدعة” النصاب لمواجهة خصومه، ويجاهر بأنّه لن يتردّد في اللجوء إليها إذا ما استشعر باحتمال “انتصار” الآخر، ما يترك الأمور في حلقة “مفرغة”، حتى إثبات العكس!