وقائع اللقاء
في بداية اللقاء الذي نقل مباشرة على منصّات وسائل التواصل الاجتماعي الخاصّة بالملتقى، كان النشيد الوطني اللبناني، وبعده وثائقي تعريفي عن “ملتقى التأثير المدني” / عشر سنوات القضيَّة لبنان والإنسان، ومن ثمَّ وثائقي استعراضي للِّقاء الرابع من “الحوارات الصباحية” تحت عنوان: “لبنان وقانون الانتِخابات النيابيَّة: عدالة التمثيل وفاعليَّة الحوكمة”
كلمة جبرائيل
بعدها كانت كلمة عضو مجلس إدارة الملتقى المهندس إيلي جبرائيل الذي لفت إلى أن ملتقى التأثير المدني “قرر النّضال من أجل إعادة الاعتِبار لهويّة المواطنة، والتي نشأت منذ قيام دولة لبنان الكبير، ووردت في روحيّة دستوره في العام 1926”. واضاف: “نحن مقتنعون بالعمل التّراكُمي الهادئ والهادف، مصوّبين البُوْصلة لإنقاذ لبنان من هذا المستنقع الخطير وبناءِ سياساتٍ عامَّة تُطبّقها الحوكمة الرّشيدة، وهذا يقع في صُلْب هدف ورسالة ملتقى التأثير المدني، فنحنُ في لحظةٍ تاريخيّة دقيقة لا تفيدُ فيها الحُلول الرّماديّة”.
كلمة هاني
وتحدثت ميسرة الحوار الباحثة شادن هاني التي قالت أن هناك “أبعاد اجتماعية دينية وسياسية تنقُض مفهوم المواطنة في لبنان. فحين “نقولُ مواطنة نقول وطن، فالإنسان بحاجة لوطن لكي يمارس المواطنة، لذلك توجد علاقةً بين الإثنين مبنيةُ على ثقافة تاريخية اجتماعية سياسية ودينية”. ولفتت إلى أن “جغرافيّةُ لبنان لم تحدَّد إلا بعد الحرب العالمية الأولى وإنشاء لبنان الكبير عام 1920”. وأشارت إلى أنه، “ومنذ الاستقلال ومن بعده ميثاق 1943، برزت فرص وكانت محاولات لبناء دولة حقيقية، لكن لم توضع ولم تمارس قواعد أو احكام ترعى وحدة الوطن وشعبه وترسّخ هذا الكيان وتثبّت ركائزه، كما أن السياسيين الذين تولوا شؤون الحكم لم يعطوا المواطن حقوقه بالكامل. كما ان “المواطن لم يؤدّي مسؤولياته بشكل كامل”. ولذلك فإن “عدم التزام الدولة القيام بما يتطلبه وجودها من واجبات أفسح المجال للزعامات المحلية – الإقطاعية والدينية بالنمو والنفوذ حيث شعر المواطن بأن الزعيم والاقطاعي والسياسي ورجل الدين هو الضمان الوحيد له في ظل تقاعس الدولة، وهذا ما كرّس الطائفية والمذهبية”.
وتحدثت هاني عن “الامتيازات المؤقّتة” فلفتت إلى أن “في لبنان 18 طائفة ومذهب تشكل تعددية دينية حفظ الدستور حقوق كل منها. وأعطى الدستور امتيازاً مؤقتًا وأصبح دائما عند توزيع السلطات على الطوائف”. وهي التي دخلت في “صراع على نفوذ سياسي، لجأت الى الإستقواء بالغير من خارج لبنان إلى حدود الدخول في حروب محلية”. وأصبح لبنان “ساحة للصراعات الاقليمية”. وهذا “ما زاد من الانشقاقات والانفراد في ظل التعددية الدينية الموجودة في لبنان”. وما اختراع كلمة “التعايش المشترك بين الطوائف إلا ذراً للرماد في العيون”. وبعدما انتقدت هاني فقدان “رؤية واحدة للبنان” إعتبرت أنّ “التعددية التي تعتبر مصدر إثراء وغنى في الكثير من البلدان أصبحت في تكوينها الديني في لبنان مصدر العلل والتناقضات”. وإذ رأت “أنّ الوضع معقدّ”، قالت “إن علينا للخروج مما نحن فيه” ان نبدأ من اقامة “نظام سياسي ديمقراطي”، و”اعتماد القانون المرجع الوحيد في النزاعات والخلافات وحماية الحقوق بالتساوي، وإحترام الاختلافات الثقافية والدينية والأعراف بين الفئات”.
وانتهت هاني إلى التأكيد “أن لا بديل سوى بقيام الدولة”. ولكن علينا “تعزيزها بكافة الوسائل الثقافية والتربوية والاعلامية والاجتماعية عبر التكاتف والوحدة التي منعها السياسيون عن شعب لديه من الوعي والغنى والنضج الكاف لينهض ويبني وطن. والدواء الشافي فصل الدين عن الدولة والإبقاء على خصوصية الأديان والأفراد في عبادة الله”.
كلمة عويس
وبعدها كانت مداخلة الدكتور مكرم عويس فاعتبر أن الحديث عن “المواطنة اللبنانية والتنوع” حساس ومهم “لأنه لا يحدد كيف سنتواصل كلبنانيين مع بعضنا البعض فحسب، إنّما يحدد أيضاً كيف سنعمل معاً من أجل بناء لبنان المستقبل”. وقسًم عويس مداخلته الى ثلاثة أجزاء: الأول شكل طرحا “لواقع الحال الذي نحن فيه وكيف نتعامل نحن كمواطنين مع دولتنا ومع بعضنا البعض”. وتناول الجزء الثاني “ماهية الخيارات السياسية المتاحة لنا لمعالجة مسألة المواطنة والتنوع من وجهة نظر سياسية”. أما الجزء الثالث والأخير فقد تناول التطلعات المستقبلية و”اقترح أفكاراً حول كيفية تعزيز المواطنة وتعميق احترام التنوع في لبنان”.
واعتبر عويس أنّه وعلى الرغم من التدخل الأجنبي في شؤوننا الداخلية “الذي عطل حياتنا السياسية أحياناً على مدى العقود الماضية، لا يزال اللبنانيون متأثرين بشكل كبير بعدد من العوامل الداخلية ومنها المتصل بملفات حرب 1975- 1990 التي لم تُحل بعد”. والتي تشمل بشكل بارز “مصير 17000 شخص مفقود ومختفي قسراً”، وعدم “تحقيق مصالحة فعالة على مستوى الشعب”، والعجز عن “الاتفاق على منهج تاريخ مشترك منذ نهاية الحرب عام 1990″ والتقصير في”تنفيذ دستورنا المعدل بعد الطائف”. عدا عن الخوف المستمر لدى المواطنين من أن يكونوا غير محميين من قبل الدولة، خاصة إن كانوا يعيشون في مناطق يشكلون فيها الأقلية، أو حيث قد تحدث اشتباكات محتملة بين مجموعتين أو أكثر”. وهذا ما “شكل الحركات الديموغرافية في البلاد وأثر أيضاً على محدودية عودة المهجّرين إلى مناطقهم”.
ولفت عويس إلى أنه بدل “تبديد مشاعر الخوف والتهديد والاغتراب والإحباط تجاه الدولة”، قد “تم تعزيزها من خلال نظام انتخابي لا يزال منحازا بشكل كبير لصالح هؤلاء القادة والأحزاب”. وتحدث عن “فشل نظامنا التعليمي، منذ الطائف، في تعزيز المعرفة والفهم والاحترام لخلفيات المواطنين الآخرين، والهويات والجماعات الدينية، والاحتياجات الخاصة، والجنس، والعرق، والإثنية، والتوجه الجنسي، وما إلى ذلك”.
وبعدما تحدث عويس عن مجموعة من الظواهر السلبية، اشار الى بعض الخيارات التي يمكن اللجوء اليها وحددها على مستويات عدة: اولها “تعليم حقوق الإنسان في جميع المدارس في ضوء مناهج واضحة ومحددة جداً”. وثانيها “مراجعة التربية المدنية وتسليط الضوء على كيفية عمل النظام اللبناني”. وثالثها “المعرفة النقدية بالتاريخ من خلال إدخال واعتماد مناهج متفق عليها”. ورابعها “تعزيز نموذج يمكن أن يساعد في بناء دولة تحترم الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي تضم لبنان”. وخامسها “إعطاء المجلس الدستوري صلاحية تفسير الدستور”. وسادسها “جعل استقلال القضاء أولوية قصوى، وإخراجه من سيطرة وزارة العدل مع توفير الحماية اللازمة للقضاة”. وسابعها “تشكيل لجنة وطنية لوضع قانون جديد للأحوال الشخصيّة المدنية”. وثامنها “إصلاح العملية الانتخابية لإخراجها من تقسيم الدوائر الصغيرة والتي تروج لها الأحزاب الطائفية وقياداتها”. وتاسعها “وضع قانون جديد للأحزاب السياسية، حيث يحظر على الأحزاب تلقي التمويل من غير اللبنانيين.” وعاشرها “التحرك السريع نحو الحكومة الإلكترونية لمعظم المعاملات”.
وانتهى عويس إلى الدعوة لـ “إطلاق ورشة عمل كبيرة وإتمامها بطريقة شاملة تأخذ في الاعتبار تنوع المجتمع اللبناني”. لفتا الى “أن تنوعنا يجب أن يكون مصدر احتفاء، وليس مصدر خوف دائم يقسّم المواطنين”. إذ في النهاية “لن يتمكن اللبنانيون من بناء لبنان على أرض صلبة وسيبقون ضعفاء أمام الأطماع والتهديدات الداخلية والخارجية إن لم يسعوا إلى تعميق حس المواطنة”. وبالرغم من “أن الأمر قد يستغرق الوقت والمثابرة والمجهود إلا أن التقدم ممكن، ليكون لدينا لبنان متنوع، يحتضن مواطنين يشعرون بمواطنيتهم وبأنهم معنيون في شؤونه”.وختاما كان نقاش بين المنتدين والمشاركات والمشاركين.