بين شبلي ملاط والورقة البيضاء.. جنبلاط يتموضع في الوسط!

19 مايو 2023
بين شبلي ملاط والورقة البيضاء.. جنبلاط يتموضع في الوسط!


 في إطلالته الإعلامية الأخيرة، وجّه رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” النائب السابق وليد جنبلاط رسائل في كلّ الاتجاهات، شملت الطرفين المتخاصمين، ولا سيما من يصنّفونه “في الجيب”، سواء داعمي رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، وعلى رأسهم “حزب الله”، أو معارضيه الذين “تقاطعوا” على رفض فرنجية، ويبحثون عن مرشح “بديل” لمواجهته، وعلى رأسهم “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية”.

Advertisement

 
قد لا تكون رسائل جنبلاط “الممتعضة” من أداء هذه القوى الأولى من نوعه، إذ سبق له قبل أسابيع أن أطلق كلامًا مماثلاً، حين رمى الكرة في ملعب من وصفهم بـ”الكبار”، لكنّه هذه المرّة ذهب أبعد من ذلك، فهو لم يكتفِ بالتموضع في الوسط، ورفض ما بات يصطلح على وصفه بـ”مرشح التحدّي” من هذا الفريق أو ذاك، لكنّه لوّح للمرّة الأولى بالتصويت بـ”ورقة بيضاء”، في رسالة قد تكون لها دلالاتها العميقة.
 
ومع أنّ جنبلاط طرح اسمًا جديدًا في “البازار”، هو اسم القانوني والسياسي شبلي ملاط، بوصفه “الأفضل” وفق تصنيفه، ورغم أنّ بعض قوى المعارضة أبدت “ليونة” في إضافته إلى “اللائحة” التي تحملها، إلا أنّ الاعتقاد الطاغي يبقى أنّه لم يكن “جدّيًا”، فـ”البيك” لم يسعَ سوى إلى “التمايز”، فهل يمضي بهذا “التكتيك” حتى النهاية، أم أنّ ما يجري يندرج في خانة “ملء الوقت” بانتظار نضوج “التسوية” التي لا بدّ أن ينخرط بها؟!
 
امتعاض “البيك” من الطرفين
 
لعلّ الرسالة الأوضح التي انطوت عليها الإطلالة الإعلامية الأخيرة لـ”البيك” تنطلق من “امتعاضه” شبه المُعلَن من الطرفين، اللذين يحسبانه ضمن “حصّتهما”، فهو كان واضحًا برفضه على سبيل المثال التصويت لفرنجية، بوصفه حتى الآن “مرشح تحدٍّ”، علمًا أنّه سبق أن مهّد لمثل هذا الموقف حين قال إن “الكلمة الأخيرة” هي لنجله النائب تيمور جنبلاط، كونه رئيس “اللقاء الديمقراطي”، والذي يُعتقَد أنه يرفض خيار رئيس تيار “المردة”.
 
لكنّ جنبلاط كان “أوضح” أيضًا برفضه مرشح “المواجهة”، حتى قبل أن تُعلَن هويته بصراحة، وقد طالت أسهمه بشكل واضح كلاً من “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية”، حيث عبّر عن “توجّسه” ممّا يمكن أن يفرزه اتفاقهما، إن حصل، مذكّرًا بتفاهمهما عام 2016، الذي فتح الباب أمام “التسوية الرئاسية” التي حملت ميشال عون إلى قصر بعبدا، تحت شعار “الرئيس القوي”، الذي أدخل البلاد في أزمات لم تنتهِ فصولاً بعد.
 
وبين هذا وذاك، ثمّة من قرأ خلف سطور “البيك” رسالة “امتعاض” من الطرفين، اللذين أفشلا عمليًا “المبادرة” التي كان “الحزب التقدمي الاشتراكي” قد أطلقها قبل أسابيع طويلة، حين جال على الأفرقاء بلائحة من المرشحين “التوافقيين”، لكنّه اصطدم بتعنّت هذا الفريق وتصلّب ذاك، فانسحب تلقائيًا من الصورة، تاركًا الكرة في ملعب الآخرين، رغم أنّ بعض الأسماء التي حملتها هي نفسها الأسماء التي تجد “ليونة” اليوم في النقاش القائم.
 
بين الجدية والمناورة
 
في النتيجة، يبدو واضحًا أنّ رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” اختار تموضعه في الوسط مجدّدًا، بعيدًا عن الانضواء في أيّ حلف، نتيجة الاستقطاب السياسي الحاد، رغم تصويت “اللقاء الديمقراطي” في الجلسات السابقة لصالح مرشح المعارضة آنذاك النائب ميشال معوض، وفي ضوء قناعة الفريق الآخر بأنه سيكون إلى جانبه عند الجَدّ، كما أوحى فرنجية نفسه، فضلاً عن “صديقه” رئيس مجلس النواب نبيه بري.
 
لكنّ جنبلاط الذي طرح في مقابلته التلفزيونية اسم شبلي ملاط، الذي لا يُعتقَد أنّ القوى الأخرى ستتلقفه، والذي لوّح بالتصويت بورقة بيضاء، في حال سيناريو “المواجهة الانتخابية” تحت قبة البرلمان، أثار الجدل من جديد، وسط علامات استفهام عمّا إذا كان هذا الخيار “جدّيًا” فعلاً، أم أنّه لا يعدو كونه “مناورة” بانتظار شيء ما، ولا سيما أنّ “البيك” لم يعتد هذا “التكتيك”، وتجارب الماضي القريب والبعيد شاهدة على ذلك.
 
يقول العارفون إنّه بمعزل عمّا إذا كان من الممكن لجنبلاط عدم الانخراط في أيّ تفاهم أو تسوية رئاسية يمكن التوصل إليها، فإنّ ما أراد قوله هو أنّه لن يدخل في أيّ استقطاب سياسي، وبالتالي أنّه يرفض سيناريو “المواجهة”، لأنها تنطوي على “تحدٍ وتحدٍ مضاد”، في حين أنّ المطلوب الذهاب إلى توافق شامل بين اللبنانيين، يفتح الباب أمام تفاهم بات أكثر من “إلزامي” في هذه المرحلة، لمواجهة التحديات الكبرى التي تواجهها البلاد.
 
بين الفينة والأخرى، يثير وليد جنبلاط الجدل بمواقفه، التي قد يكون بعضها “مفاجئًا”، تمامًا كما يثير التكهّنات حول “تموضعه”، هو الذي قد لا يجد صعوبة في نقله من ضفة لأخرى، متى وجد الأمر لازمًا. لكنّ رسائل “البيك” في إطلالته الأخيرة تبدو واضحة، وربما واقعية: مرشح التحدّي مرفوض، تمامًا كاستنساخ تجربة “تفاهم معراب” الذي أضرّ أكثر ممّا نفع، والمطلوب توافق لا بدّ منه لفتح أبواب الحلول!