“لا غرب ولا شرق”، مقولة غالبا ما اعتنقها لبنان فكانت له نافذة يطل من خلالها على العالم العربي والأجنبي مزدهراً، متطوراً ورائداً.
عبر هذه المقولة وتطبيق توازناتها تمكن لبنان على مدار سنوات لا بأس بها من تحقيق الحداثة في الاستشفاء، المصارف، التربية، الاعلام وغيرها من القطاعات، وفي كل مرة اختل فيها التوازن المشار اليه، وجد اللبنانيون انفسهم امام انهيارات دموية او اقتصادية وسياسية.
العرب فاعلون لا مستهلكون
وامام مشهدية الدورة الـ32 من دورات القمم العربية التي عقدت في مدينة جدة السعودية يوم امس الجمعة وسط مشاركة عربية جامعة ولافتة، ظهر واضحاً ان القادة العرب وعلى رأسهم ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، يرغبون في اعداد مستقبل زاهر وواعد، يؤسس لمرحلة جديدة من الحياة العربية وينتج مفهوما جديدا على صعيد النظرة الى الدول العربية ومواطنيها، الذين أثبتوا انهم ليسوا مستهلكين في هذا العالم السريع وحسب، انما يمكن ان يكونوا مبدعين ومساهمين لاسيما في القطاع التكنولوجي وما يرافقه من تحوّل رقمي، تعتمد عليه المملكة العربية السعودية بشكل أساسي لتطبيق رؤيتها المعروفة “2030”.
والازدهار المشار اليه والمنوي تحقيقه بالتزامن مع سياسة “تصفير المشاكل”، يبدو انه سيتحقق وفقا للبعد الايجابي من التجربة اللبنانية، اذ ان القيمين على القمة العربية اختاروا ان يبتعدوا عن مختلف صفحات الماضي الدموية وغير الدموية ويتجهوا للنظر نحو المستقبل، في تماهٍ واضح مع “اتفاق بكين” الذي وقعته السعودية وايران.والتماهي مع البعد اللبناني الايجابي يأتي من باب تطبيق سياسة “لا شرق ولا غرب”، وهذا ما ظهر الى العلن من خلال عودة سوريا الى مكانها الطبيعي في القمة العربية ومن خلال استقبال القمة للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي. سوريا واوكرانيا
وفي هذا الاطار، يمكن القول ان عودة سوريا وتحديدا عودة الرئيس السوري بشار الأسد الى كرسيه العربي، وعلى الرغم من اعتبار سوريا مكونا عربيا طبيعيا ينبثق من صلب الوجود العربي، رسالة ايجابية الى روسيا وما تمثل على صعيد اللعبة والتنافس العالميين.
وفي المقابل، يبدو استقبال الرئيس الاوكراني، وهو أول زعيم اجنبي يحضر قمة عربية منذ بداية هذه القمم، اي منذ العام 1946، رسالة ايجابية الى “العالم الأطلسي” اي اميركا، مجموع الدول الاوروبية وافريقيا.وبالتالي، ووفقا لهذه المعادلة تظهر القيادة العربية، كلاعب اساسي في هذا العالم المتناقض، يدرك التوازنات ويعمل لتثبيت وجوده وفقا لمعضلاته الكثيرة والمتعددة.
لبنان بين سياسة الرفض والايجابية المطلوبة
وفي سياق متصل، وحتى اللحظة لم يستطع لبنان مواكبة الرؤية الاستثمارية والسياسية الايجابية التي ثبتتها القمة العربية، اذ انه ما زال يتخبط في انقساماته وحالة الرفض التي ينتهجها جزء وازن من اللبنانيين الغافلين للتغيرات الاقليمية والدولية في الوقت نفسه.
وعلى هذا الصعيد، ووفقا للمعلومات، لم تكن القمة العربية مناسبة لطرح الملف الرئاسي اللبناني من بابه الواسع، انما شكلت محطة للـتاكيد على ما سبق واعلنته أكثر من دولة عربية والذي يتمثل في ضرورة ان يعي أهل السياسة في لبنان المسؤولية الملقاة على عاتقهم ويذهبوا مباشرة الى اتمام الاستحقاقات بدل رفع شعارات على شاكلة “الممانعة” والسيادة”.
واتمام الاستحقاقات في لبنان ووفقا للمعلومات ايضا، لا بد من ان يكون مؤاتيا للنفس الايجابي والحواري الذي يسيطر على المنطقة.
لبنان في قلب العرب
وفي هذا المجال، تجدر الاشارة الى ان جامعة الدول العربية غالبا ما كانت تولي لبنان أهمية كبرى، اذ ان ثلاث قمم من قممها عقدت لأجل لبنان او بحثت في الموضوع اللبناني بحد ادنى، وهي:
مؤتمرا القاهرة والرياض الطارئان في العام 1976، اللذان نتج عنهما قدوم قوات الردع العربية الى لبنان.
مؤتمر الدار البيضاء في العام 1989 والذي نتج عنه تأسيس اللجنة الثلاثية التي عملت على وضع “اتفاق الطائف”.
كما استقبل لبنان قمتين عربيتين، الاولى في العام 1956، انعقدت بصورة طارئة وشجبت العدوان الثلاثي الفرنسي البريطاني الاسرائيلي على مصر.
والثانية، هي قمة العام 2002 الشهيرة التي تم خلالها اقرار مبادرة ولي العهد السعودي انذاك الامير عبدالله بن عبد العزيز، التي تنص على امكانية الاعتراف باسرائيل شرط ان تعترف اسرائيل بدولة فلسطينية تقوم وفقا لحدود حزيران الـ67 وعاصمتها القدس الشرقية، وشرط عودة اللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم.