لاحظ المتابعون منذ عدة اسابيع عودة الانخراط الاميركي المباشر في الشأن السياسي اللبناني وتحديدا في الاستحقاق الرئاسي، بعد مرحلة طويلة نسبيا من الانكفاء كانت فيها واشنطن تترك المساحة الكاملة لحلفائها وتحديدا فرنسا من اجل انجاز تسوية رئاسية كاملة الاوصاف، ومن دون تجاوز الخطوط الحمراء الاساسية.
عمل الفرنسيون بشكل جدي على تسوية تمنع الانهيار الكامل وتؤدي الى الحفاظ على الاستقرار وهذا هو الهدف المشترك المتفق عليه مع الاميركيين، حتى ان دعم ترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية لم يكن خارج الاتفاق مع واشنطن بل على العكس من ذاك، اكد الاميركيون مرارا انه ليس لديهم اي مشكلة مع الرجل.لكن التطورات الايجابية المتسارعة في المنطقة لم تعجب واشنطن، او اقله، لم يكن توقيتها وسرعتها مطابقين للأجندة الاميركية، فعاد الاهتمام الاميركي بملفات المنطقة بشكل مباشر منعا لخروج الامور عن السيطرة، خصوصا بعد التسوية الايرانية-السعودية والسعودية-السورية.قد تكون المصالحة بين الرياض ودمشق، هي الملف الاكثر تأثيرا على الساحة اللبنانية، وهو امر لم يكن موافقت عليه اميركيا، خصوصا وأن واشنطن طلبت من الرياض فرملة التطبيع مع سوريا وتأخير عودتها الى الجامعة العربية، وهذا ما لم تستجب له المملكة لاسباب كثيرة لا مجال لذكرها.تقول مصادر مطلعة ان الاميركيين تراجعوا نسبيا عن تسهيلاتهم لانتخاب سليمان فرنجية، ولم تعد الموافقة عليه التي سمعها رئيس مجلس النواب نبيه بري قبل اشهر متاحة اليوم، خصوصا وأن تقدم اسم الرجل رئاسيا جاء نتيجة التقارب السوري – السعودي واحدى ثمراته، لذلك فإن عرقلته او تأخير مفاعيله سيكون امرا مطلوبا في العاصمة الاميركية.وتشير المصادر الى ان الحراك الاميركي في لبنان، يسعى، بشكل مباشر او عبر دول اخرى، الى تمتين جبهة المعارضين لفرنجية وتوحيدهم، وايجاد مرشح قادر على فرض توازن جدي في جلسة مجلس النواب، وهذا دليل على ان واشنطن ترغب في استمرار الكباش السياسي والرئاسي وترفض التسليم بالتسوية التي ترعاها الرياض ودمشق. حتى مسألة النازحين السوريين، التي من الواضح ان حلها لا بتماشى مع الرغبة الاميركية، لن تسير بشكل سلسل بالرغم من كل الدعم العربي والرغبة السورية واللبنانية في الحل، وهذا قد لا يكون مرتبطاً بالموقف الاميركي من الازمة اللبنانية، بل من رفض واشنطن تقديم اي مكاسب سياسية للدولة السورية تستطيع استخدامها لتحسين شروطها التفاوضية.