أظهرت الساعات الماضية أن المستجدّ الأساسي في الملف الرئاسي، بعد زيارة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة الراعي للفاتيكان وفرنسا، هو إعادة فتح قنوات الحوار بين كل الأطراف، في ضوء توجه «القوى المسيحية البارزة» إلى الاتفاق على ترشيح الوزير السابق جهاد أزعور مقابل ترشيح ثنائي أمل وحزب الله للوزير السابق سليمان فرنجية. فيما لا أجواء توحي بقرب دعوة المجلس النيابي لعقد جلسة انتخاب.
وفي هذا السياق كتبت «الأخبار» أن مقربين من بكركي كانوا ناقشوا الملف الرئاسي مع مسؤولين في الفاتيكان، مع طلب واضح بالتدخل لدى باريس من أجل إفساح المجال أمام جولة جديدة من الحوار لتوفير مناخ توافقي على مرشح للرئاسة، وعدم حصر مساعيها بحث النواب على السير في تسوية انتخاب فرنجية.
وقالت المصادر إن الراعي تعمّد زيارة روما أولاً للاطلاع على نتائج الاتصالات بين الفاتيكان وباريس، وتبلّغ بأن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سيستمع إلى رأيه في شأن جولة جديدة من الحوار، وسيشرح له الموقف الفرنسي من تسوية فرنجية. علماً أن ماكرون أوفد إلى بيروت قبل أسبوعين، المصرفي اللبناني سمير عساف الذي التقى الراعي وأبلغه تقديم موعد الدعوة الفرنسية من الأسبوع الأول من حزيران إلى الثلاثين من الشهر الماضي.
وبحسب مطلعين، لمس الراعي من لقائه ماكرون تأثيراً واضحاً لمساعي الفاتيكان الذي «أبلغ مسؤولون فيه الجانب الفرنسي بأن على باريس عدم تجاهل مصالحها التاريخية في لبنان، والأخذ في الاعتبار عدم تجاوز المسيحيين في اختيار الرئيس المقبل». وعُلم أن باريس أبدت اهتماماً بالأخبار الواردة عن اتفاق القوى المسيحية على مرشح واحد، وهي تنتظر الإعلان النهائي عنه، لكنها تريد تهدئة المناخات الداخلية ووقف التصعيد وفتح الباب أمام جولة جديدة من الاتصالات. إلا أن الفرنسيين لم يبلغوا الراعي صراحة بتراجعهم عن موقفهم، رغم عدم ممانعتهم إفساح المجال أمام حوار وطني لبناني.
وهذا ما عبّر عنه الراعي أمس، أمام وفد من نقابة الصحافة، بقوله إن «الفاتيكان وفرنسا طلبا مني أن أعمل داخلياً مع بقية المكونات»، مشيراً إلى «تواصل دائم مع رئيس مجلس النواب نبيه برّي. وسنتصل به أيضاً للتداول في الملف الرئاسي، كما سنتكلم مع الجميع من دون استثناء، بمن فيهم حزب الله. والحراك سيبدأ من اليوم».
وعلمت «الأخبار» أن الراعي سيرسل موفدين إلى القوى السياسية، وأن بكركي تنتظر أيضاً قيام الفاتيكان باتصالات موازية مع الجهات الخارجية المؤثرة في الملف اللبناني، إضافة إلى اتصالات ستتولاها فرنسا مع قوى لبنانية وخارجية، لا سيما السعودية.
وقالت مصادر سياسية إن «الراعي تلقى نصيحة من الفاتيكان بعدم الذهاب بعيداً في معاداة حزب الله أو الطائفة الشيعية»، وإن المسؤولين في الكرسي الرسولي أكدوا أن «الملف الرئاسي يجب أن يُبحث بالتوافق مع كل المكونات اللبنانية».
ووفق المعلومات التي بدأت تتوافر عن لقاء البطريرك بماكرون فإن الأخير كانَ واضحاً وصريحاً، بعدَ عرض الراعي لآخر التطورات المتعلقة بالاتفاق المسيحي على مرشح، بأن «هذا الأمر مهم، لكنه غير كاف لانتخاب رئيس» وأن «الأمور في البلد تحتاج إلى توافق مع القوى السياسية». وبناء على هذه الرسالة التي عادَ بها الراعي إلى بيروت، أطلق كلامه الذي لم يخل من نبرة حادة، وأكد فيه أنه «لا يحقّ لأحد أن يلعب بمصير اللبنانيين، والشعب ليس بدجاج ولا بقطيع. ولا أحد يحقّ له هدم لبنان، أصبحنا مسخرة الدول بسبب بعض السياسيين».
وبينما أشيعت معلومات عن إمكانية أن «يتوجّه الراعي إلى رئيس مجلس النواب في عظة الأحد لدعوته إلى فتح مجلس النواب»، اتخذ إعلانه عن بدء حراك سياسي بُعداً بالِغ الجدية. ومن المتوقع أن تشكّل نهاية الأسبوع الجاري اختباراً لهذا الحراك، في وقت بدأت قوى سياسية تطرح تساؤلات عما إذ كان سيؤثر في المشاورات بينَ قوى المعارضة قبلَ الإعلان عن ترشيح أزعور. وثمة ما يلفِت إليه المطلعون، وربما يلعب دوراً في تجميد هذه المشاورات أو تخفيف اندفاعتها لا سيما عند رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، بخاصة أنه كانَ أمل تغييراً في الموقف الفرنسي يدعم الموقف المسيحي ويعيد خلط الأوراق في الداخل ويدفع ثنائي حزب الله وحركة أمل إلى التراجع عن ترشيح فرنجية.