ماذا يعني أن تفرض الإدارة الأميركية عقوبات على معطّلي الانتخابات الرئاسية في لبنان، ومَن يحدّد الجهة التي تعطّل، وما هي نوعية هذه العقوبات هذه المرّة، وكيف يمكن أن تدفع المعطّلين أو المعرقلين إلى فكّ أسر الرئاسة الأولى؟
لا شك في أن هذه الأسئلة مرّت في ذهن المسؤولين الأميركيين قبل أن يشهروا سلاح العقوبات في وجه فريق محدّد في لبنان، وليس في وجه جميع المعطّلين، لأن هؤلاء المعرقلين في نظر ادارة بايدن على درجات متفاوتة، ولا يمكن بالتالي فرض مثل هكذا عقوبات على جميع الأفرقاء اللبنانيين بالتساوي.فموقف الأميركيين تجاه “حزب الله” ومن يماشيه معروف. ولن نقول جديدًا عندما نتحدّث عن “البيت الأبيض” لا يرى من بين المعطّلين الرئيسيين سوى “حزب الله”، وهو الذي سبق أن فرض على عدد من المسؤولين فيه عقوبات عدّة، ولكنها لم تؤتَ ثمارها، لأن هؤلاء المسؤولين يستعينون ببيت من قصيدة للمتنبي لوصف هذه العقوبات: “رماني الدهر بالأرزاء حتى فؤادي في غشاء من نبال فصرت إذا أصابتني سهام تكسرت النصال على النصال”، أو بتعبير لبناني آخر، حيث يقول مسؤولو “الحزب” للأميركيين: روحو بلطو البحر، أو روحوا بلّوا هذه العقوبات واشربوا مياهها.
لكن في المقابل، وكما تقول مصادر سياسية مطلعة، أن العقوبات الأميركية هذه المرّة لن تكون كالمرّات السابقة، لأن الوضع في لبنان من المنظار الأميركي والأوروبي، لم يعد يحتمل المزيد من تضييع الوقت والفرص، وأن الذين يحرصون على أن يبقى هذا البلد مستقرًّا سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا، لن يسمحوا بعد اليوم بأن تُمارس عليه الضغوطات السلبية، وأن تبقى الرئاسة الأولى، مع ما ترمز إليه، رهينة في أيدي “الفريق الممانع”.
وفي رأي هذه الأوساط، فإن هذا التهديد بسلاح العقوبات هذه المرّة يترافق مع جملة من المعطيات، التي يجب على جميع الأفرقاء في الداخل أخذها في الاعتبار، قد يكون أولها أن واشنطن، التي كانت تقف في الحديقة الخلفية للاستحقاق الرئاسي اللبناني قرّرت أن تدخل إلى الصالون الرئاسي من بوابته الرئيسية، من خلال تفعيل عمل مجموعة الدول الخمس التي تواكب الازمة الرئاسية في الرياض، والتي اجتمعت سابقًا في باريس، وهي تضم كلًا من الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة العربية السعودية ومصر وقطر، بما يعني ان واشنطن قد تكون تهيء لتشديد موقفها من معطلي الانتخابات الرئاسية والضغط على الجميع لاستعجال انهاء الازمة.
أمّا ثاني هذه العوامل فهو ما وصل إلى واشنطن، عبر سفارتها في عوكر، عن امكان توصّل المعارضة بكل تلاوينها إلى اتفاق مع “التيار الوطني الحر” برئاسة النائب جبران باسيل على اسم واحد كمرشح وحيد في مواجهة مرشح “الثنائي الشيعي” رئيس تيار “المردة” الوزير السابق سليمان فرنجية.
وهذا الأمر، كما تراه الأوساط السياسية إياها، قد يدفع واشنطن إلى تزخيم نشاطها المتعدّد الوجوه في لبنان، وإلى تكثيف حضورها السياسي، باعتبار أن لبنان كان و لا يزال نقطة الارتكاز للسياسة الأميركية في المنطقة.
ومما لا شكّ فيه أن زيارة البطريرك الماروني مار بشاره بطرس الراعي لباريس، وما تخّللها من محادثات معمّقة مع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون حول الأزمة الرئاسية بالتحديد وما يتفرّع منها من أزمات متفرقة بالنسبة إلى مستقبل لبنان والوجود المسيحي فيه، فضلًا عن دخول الفاتيكان بقوة على الخطّ الرئاسي، قد سرعا التحرك الأميركي، الذي يختلف حوله المحللون، فيرى البعض منهم أنه قد يساهم في انضاج الظروف المؤاتية لانتخاب رئيس من دون عملية قيصرية، فيما يعتبر آخرون أن التدّخل الأميركي في الشأن اللبناني من شأنه أن يعقّد الأمور أكثر مما يمكن أن يسهلها.ولكن في انتظار كل هذا يبقى لبنان موضوعًا في ثلاجة هذا الانتظار المخيف والمقلق.