أي دور للإعلام في دعم الاقتصاد الوطني؟

5 يونيو 2023
أي دور للإعلام في دعم الاقتصاد الوطني؟


كتب وزير الشباب والرياضة جورج كلاس:
 
تتظهر لدى الى المتابعين  للحالة الاعلامية في لبنان و كيفية تعاملها مع الواقع الاقتصادي بتفاعلاته و تطورات مراحله و ما شهده من ازمات  جعلت كل مواطن معنياً بمضامين هذا الاعلام لما له من علاقة وثيقة مع الودائع و المصير المالي والاقتصادي للافراد و المؤسسات  ، صورة مشوشة لترسيمة لبنان في مجال الاعلام الاقتصادي التخصصي ، ما يدفع الى طرح تطلّع مأمول للإعلام في صياغة رؤية وطنية متكاملة معرفياً و اقتصاديًا و مهنياً ، انطلاقًا من وجوبية النظر إلى الإعلام من حيث انه مسؤولية لا سلطة ، و من حيث هو خدمة و شريك في دعم كل ما يحسن صورة البلد و يحصنها ، مثل حماية الحق و الإنتصار للقضايا و دعم احوال التنمية و تشجيع ظروف الازدهار و وضع تشريعات لحماية الاستثمارات ، اضافة الى ما تتطلبه وضعية لبنان القائم إقتصاده على الخدمات و تعزيز السياحة و الدفاع الدائم عن السرية المصرفية و  نظام الاقتصاد الحر.

تستوجب كل هذه الخطوات وضع استراتيجية تكاملية بين وسائل الاعلام و الدولة و المصرف المركزي و الهيئات الاقتصادية و قطاعات الانتاج و المجالس و الغرف  الاقتصادية و المصارف ، تقوم على ركائز رئيسة تنطلق من الحاجة الى وضع خطط مستقبلية مدروسة لبناء العلاقة الواجب توفرها بين هذه القطاعات ، و تؤكد على ضرورة  التصدي و معالجة القضايا الحادة من اجل تكوين اعلام اقتصادي معرفي توعوي و نقدي متخصص يتوجه الى الجمهور من موقع الخبير المسؤول ، و لا يتعامل مع الناس بإعتبارهم زبائن و مستهلكين لهذا النوع من الاعلام :
1- الإعلام الشريك و المبادر ، يبقى في حدود الاعلام الاستشاري الذي عليه تقديم التحليلات المالية مدعمة بادلة إقناعية واضحة ، توافقا مع وظيفة الاعلام الاقتصادي المبني على مثلث: التخصص و المتابعة و العقلانية.
2- الاعلام الاقتصادي المتخصص ، الواجب تشجيعه وتعميم نفعياته العمقية ، بالإرتكاز الى خصوصياته بالتعامل مع الارقام و متابعة حركة الاسواق  المالية المحلية و العالمية ، و وجوب اتقان الاعلامي لغات اجنبية تمكنه من فهم المصطلحات و استخدام تقنيات تعبير  موافقة للمعنى.
 
ويعتبر من اكثر الفنون الإعلامية تطلباً للتخصص و الرصد و المتابعة و دراسة السياسات و البيانات و حركات الأسواق المالية و البورصات العالمية و معرفة مدى تأثيراتها على اقتصاد الداخل ، مع ما يستوجبه ذلك من تضلع من علوم المصطلحات و تحليل المعطيات و دراية التوقعات و الإبتعاد عن التنبؤات.
3- الإعلام الإنمائي ، و هو لا يتعدى المحاولات و المبادرات الفردية في اطارها الاسهامي التضامني و  التنظير الاكاديمي الذي يغلب عليه طابع التطور المجتمعي المبني على افكار  و المدعوم من برامج منظمات دولية و أنشطة اجتماعية تمزج بين العمل التنموي و الهدف الازدهاري.
4- دور الإعلانات ، كممول ظاهر او كشريك مضمر  و راع للبرامج و المواد الإعلامية  في الفضائيات و التلفزيونات و الاذاعات و الدوريات المتخصصة و الصفحات الاقتصادية في الجرائد اليومية. و تتطلب السياسة الاعلانية الداعمة و المرافقة للاعلام الاقتصادي المتخصص الى وضع و اتباع استراتيجيات علمية تقوم على التوجيه الإيعازي و توظيف مهارات الاعلاميين المتخصصين و قدراتهم  في مصلحة تعزيز  الانتاج و التسويق  الواعي ، و ضرورة ان يترافق ذلك مع  لزومية اعتماد شبكة اسعار  اعلانية تشجيعية منخفضة لدعم  الحالة الاقتصادية و تقوية الزراعة و الصناعة و السياحة و عمليات التصدير و التسويق و حماية المنتج وتحصين النوعية  و اعتماد قانون الجودة و حماية الاستثمارات.
5- قيادة الاقتصاد و اعتباره سلاحا نوعيا في دعم سياسة الدولة ، بالارتكاز الى انواع و فنون الاعلام  العمقي المتخصص  القادر على تقديم قراءات تحليلية واقعية و إرتقابية للواقع المالي والاقتصادي المحلي و ارتباطه بتحولات الاقتصاد العالمي.
 
الاعلام الاقتصادي بين الابيض و الاسود 
 
يحتل الاعلام الاقتصادي مركز الصدارة في صناعة الخطط و بناء الاستراتيجيات السياسية للدول ، كقوة داعمة و رديفة مساندة ، و غالباً ما يتوزع بالتصنيف بين ان يكون اعلاما أبيض او أسود . ف(الإعلام الاسود) ، يركز على الاتهام و يسعى الى اختلاق الفضائح  و يتسرع بإطلاق الأحكام ، لغاية تحقيق سبق او إفتعال ضجة ، من دون رؤية استباقية لما قد يتسبب به من ضرر و خارج اي حماية او محاسبة او تعويض لمن يقع عليه الضرر . في حين ان (الاعلام الابيض ) ، فيتصف بالعقلانية الموضوعية و المسؤولية الوطنية و المجتمعية ، من موقعه كشريك معنوي بتقديم حماية استباقية و تقويم تخصصي للحالة الاقتصادية ، واقعاً و مستقبلا و تداعيات. و من ركائز هذا الاعلام الابيض ان يؤسس لعلاقة تشاركية و لمبدأ العدالة الاعلامية التي ترصد و تقارن و توازن بين المعطيات و تقدم تقويما علميا يستند الى التخصص و الخبرة و المتابعة اللحظوية للميزان الاقتصادي و الاستقرار المالي و موازنة ألدولة و كيفية الانتقال من الاقتصاد الريعي الى حركة الاقتصاد الحقيقي القائم على عناصر الانتاج التفاعلي.
و التفريق بين الاعلامين الابيض و الاسود ، يستدعي تشجيع قطاعات الانتاج للإستثمار في تعزيز برامج التوعية الداعمة للاقتصاد و عدم الاتكال على الوظيفة التقليدية للإعلان التجاري الذي يجذب من دون ان يثقف و يعمل لمحو امية اقتصادية لدى جمهور العامة غير المتخصصة. و يبرز في هذا المجال ان البرامج الترويجية تكون انفع و اكثر جدوى و تأثيراً من الاعلانات، نظرا الى ان الوظيفة التثقيفية للبرامج الاعلانية تهدف الى تثقيف الناس و تأهيلهم ليكونوا متذوقين ناقدين ، يعرفون كيف يختارون المنتج و يقيسون مدى جودته و يوازنون بين المواد و يقيمونها و يختبرونها قبل ان يتذوقوها و يستهلكوها.تفرض قيادية الاعلام الاقتصادي ان يكون مسؤولاً عن خدمة المعرفة التي يقدمها للناس و التأكد من جودة كل ما ينشره ، و ان يعتمد مسؤولية متى و ماذا ينشر ؟ و متى و ماذا لا ينشر ؟ لأن مسؤولية اللانشر اهم احياناً من مسؤولية النشر، تماما كمسؤولية التوازن بين التسرع و السرعة.
في اوقات كثيرةً يكون الاعلام الاقتصادي ، الخبري و ليس التحليلي ، امام تحديات السبق الذي يترافق مع الفضائح المالية و اخبار الفساد و غيرها ، ما يتطلب اعتماد نظام ترصد المواد و التحقق من صحة مضامينها و التفريق بين الاعلام الفضائحي و الاعلام الاصلاحي ، منعاً للإساءة و التشويه و النيل من السمعة و تهديد صورة الامن الاقتصادي و الثقة المجتمعية بقطاعات الانتاج و الاجهزة الرقابية . فتهاون الاعلام بصناعة الوعي و التشجيع على المشاركة بالاصلاح و محاربة الفساد ، لا يمكن تداركه الا من خلال وضع استراتيجية تكاملية بين وسائل الاعلام و الإعلاميين الاقتصاديين و الدولة.