يبدو بديهياً القول إن الضرر الذي أحدثته أزمة العملة في لبنان لا يمكن إصلاحه سوى بمعجزة. فمع فقدان الليرة 98% من قيمتها منذ بداية الانهيار الاقتصادي، بات قضاء حاجة بسيطة كالتحوّج داخل السوبرماركت، عملاً يتكبّد عناءه اللبناني حمل “كدسات” من الأوراق النقدية بالليرة، لا قيمة لها. وهنا الحديث عن قرب طباعة ورقة الـ500 ألف ليرة.
لماذا طباعة الـ500 ألف وليس المليون؟
بينما أٌقرّت اللجان النيابية المشتركة اقتراح تعديل قانون النقد والتسليف بما يتيح طباعة فئة ورقية غير الـ100 الف ليرة، أشار نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب إلى أنه جرى ترك الخيار للمصرف المركزي باختيار قيمة الورقة.
من هنا، إعتبر الخبير الإقتصادي البروفسور بيار الخوري أنه بعد اقرار التشريع المنتظر الذي لطالما وقف بوجه هذه الخطوة، باتت عملية ادخال فئة الـ500 الف ليرة الى التداول قريبة جداً.
ويعزو الخوري هذا الأمر في حديث لـ “لبنان 24” إلى “كون الدولار قد ارتفع منذ بداية الازمة بمعدل 6600% تجاه الليرة ولم تعد فئات الليرة المتداولة عملية وهذا واضح في حجم الحزم النقدية التي تحتاجها اي عملية شراء تفوق قيمتها او تعادل 100 دولار اميركي”.
أما عن سبب اختيار فئة النصف مليون ليرة لطباعتها، فأشار الخوري إلى أن “اختيارها حصل بعد الأخذ بعين الاعتبار مستوى دولرة التبادلات اليومية في الاسواق”.
وأوضح أنه فعلياً، لم يعد هناك من حاجة ماسة اليوم للسيولة بالليرة في ظل توسع التداول بالدولار وتوفر فئات الدولار والدولارين والخمسة والعشرة دولارات بكثافة في الاسواق.
إلى ذلك، أكد الخوري أنه بشكل عام، يؤدي إدخال فئات أعلى من العملة التداول لآثار تضخمية سببها نفسيّ بالاساس وليس اقتصاديا، وهي تعتبر نتيجة للتضخم وليس سبباً له وفقاً لقواعد المال.
وفي هذا الإطار، توقع أن لا تكون هناك آثار تضخمية ملحوظة، لأن أسباب التضخم في لبنان أقوى وأوسع من أن تلاحظ إثر إدخال أي فئة جديدة إلى التداول.
ماذا عن الفئات الأخرى؟
أماّ بالنسبة للفئات الأخرى، فاعتبر الخوري أنه قد تتم طباعة فئة الـ250 ألف ليرة في حال عادت الليرة لتلعب دور وسيط التبادل الاساسي حيث ستخلق الحاجة لتوسيع خيارات الدفع بالليرة.
وعن ورقة المليون، فكشف أنها تنتظر المزيد من التضخم الذي قد يحوّل الـ500 ألف الى فئة عاجزة مثلها مثل ما هي عليه اليوم فئة الـ100 الف ليرة، مشيراً إلى أنه في حال السيطرة على التضخم فقد لا يكون هناك حاجة لهذه الفئة.
وشدد الخوري على أنه قريباً ستنتهي تدريجاً الفئات الصغيرة وخاصة كل ما هو دون الـ50 ألف ليرة بحيث تدوّر الاسعار الى ما يقارب الـ50 ألف ليرة.
كما اوضح أن تكلفة طباعة كل ألف ورقة تبلغ حوالي 30 يورو، ما يعني أن كل ورقة 500 ألف ليرة تكلف 3000 ليرة أي 0.6 سنت يورو لكل ورقة، وهي أقل خمس مرات نسبياً من طباعة ورقة الـ100 الف ليرة.
وفي المحصّلة، الليرة اللبنانية التي صمدت في أعنف الأحداث المحلية والأمنية والدولية، تجد نفسها اليوم محطّ دفاع عن نفسها المنهارة، وتحلّ محل خطة اقتصادية واضحة من شأنها أن ترفع لبنان من الدرك الذي وصل إليه.