كتب ضياء سعد في “الأخبار”: في الليلكي، أو «تكساس الضاحية»، لا يحتاج إطلاق النار إلى سبب وجيه. يكفي «مشكل» على «صفّة» سيارة أو أفضلية المرور، حتى يقضي أهالي المنطقة ليلتهم في الكوريدورات إلى ساعات الفجر الأولى.
فراغ أمني وإنمائي تملأه عائلات وعشائر فرضت سيطرتها وشكّلت «جيوشها» وسنّت تشريعاتها وأقامت اقتصادها الخاص، متقاسمة النفوذ في ما بينها، وأي محاولة من إحداها للتجاوز على أخرى، تتحوّل حرباً تُستخدم فيها كل أنواع الأسلحة. أمّا الدولة، ففي مقاعد «المتفرجين»، كعادتها، في منطقة يزيد عدد سكّانها على الـ50 ألفاً، إذ ينحصر حضورها الرسمي بنحو 20 عنصراً في مخفر المريجة، وثكنة للجيش في مجمع الحدث الجامعي.
كثيرون من أهالي المنطقة يفضّلون المغادرة عند «أول طلقة» على انتظار ساعات قبل انتهاء الاشتباكات. واللافت أنه رغم إطلاق النار والقذائف الصاروخية الذي استمر ساعات، لم تُسجل أضرار مادية في مناطق الاشتباك، ما يشير إلى أنّ إطلاق النار يكون في الهواء في معظم الأحيان، لـ«الترويع فقط»، إذ إن «كمية الرصاص التي أُطلقت لو وُجهت نحو البيوت أو الشوارع لكان المشهد مختلفاً»، على ما يقول أحد سكان الليلكي. إلا أن ذلك لا ينفي الخطر والرعب اللذين يتسبب بهما فلتان السلاح، إذ «زحفت وزوجتي إلى الممر وقضينا ساعات منبطحين بعيداً عن النوافذ. كان الرصاص متل الشتي».
في الليلكي، لا أثر للدولة أو للسّلطات المحلّية، أي البلديات. الحي مقسوم عقارياً بين بلديّتي المريجة والحدث. الأولى يرى رئيسها سمير أبو خليل «أنّ الجزء الخاص ببلديته خالٍ من المشاكل، والبلدية تنتهي صلاحيتها عند مدخل الجامعة اللبنانية»، فيما لم يرغب رئيس بلدية الحدث جورج عون بالتكلم عن الموضوع، والإجابة على أسئلة «الأخبار».
لا تعرف الدولة وأجهزتها شوارع الحي، إنمائياً وأمنياً، ولا تظهر إلّا على شكل دوريات خجولة للجيش، «تقوم بعدّ فراغات الرّصاص بعد الاشتباكات»، وفقاً لأحد أهالي الحي. يحسم الشاب «أنّ أجهزة الدولة تعرف مطلقي النار فرداً فرداً، لكنّها لا تعتقل أحداً منهم»، موجهاً الاتهام إلى هذه الأجهزة برعاية هؤلاء وحمايتهم، و«إلّا لماذا يُتركون لترويع الناس كلّ فترة؟».
هجرة الدولة لمنطقة الليلكي أتت على مراحل، آخرها بعد عام 2019، مع اشتداد الأزمة الاقتصادية، إذ غابت أجهزة الدولة بشكل تام، لدرجة «اضطر سكان أحد شوارع المنطقة لجمع الأموال لشراء كابلات كهرباء جديدة للشبكة العامة». كما أخليت تقريباً كلّ حواجز قوى الأمن الموجودة على مداخلها، وهي نفسها مداخل للضاحية الجنوبية. حاجز الجيش الأساسي، الذي يفصلها عن منطقة الحدث، شبه خالٍ معظم ساعات النّهار، إنّما يبقى حاله أفضل من حاجزي القوى الأمنية الخاليين من أيّ عناصر.