كتبت سابين عويس في” النهار”: لا شك في أن تعيين وزير الخارجية السابق جان ايف لودريان موفداً خاصاً للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الى لبنان يشكل عاملاً إيجابياً في مسار الاستحقاق الرئاسي. فالديبلوماسي الفرنسي المخضرم الذي يعرف عمق المعرفة تعقيدات الملف اللبناني بحكم موقعه على رأس الديبلوماسية الفرنسية، وتربطه بدول الخليج علاقات جيدة بحكم توليه وزارة الدفاع، يعرف تماماً أن مهمته ليست سهلة، ولكنه يبقى في نظر جزء كبير من الوسط السياسي ولا سيما المعارض أجدى بتحمل المسؤولية مقارنة مع الفريق السابق. ويرتاح فريق المعارضة الى تولي شخصية مخضرمة وصاحبة خبرة، خصوصاً إذا ما أخذت في الاعتبار أن ماكرون حرص على توجيه رسالة ودّية الى هذا الفريق عندما رفع مستوى تمثيل موفده، مستغنياً عن خدمات الفريق السابق الذي خلق شرخاً كبيراً بين فرنسا ولبنان بجناحه المسيحي خصوصاً، وهو أمر لا يرغب فيه ماكرون أو أي رئيس فرنسي، نظراً الى العلاقات التاريخية التي تربط المسيحيين بباريس، والعكس بالعكس.
بتكليف لودريان الملف اللبناني، يدرك ماكرون أن رسالته الى اللبنانيين ستصل في شكل أفضل للتعبير عن الدعم الفرنسي، ما يؤمن لباريس استعادة موقعها الطبيعي إذا صح التعبير، بعدما فقدته سياسات فريق إيمانويل بون وبرنارد إيمييه وبيار دوكان.إن كانت قوى المعارضة تأمل خيراً في هذا التكليف، فإن لقوى السلطة قراءة مغايرة، لا تدفعها الى القلق أو الارتياب حيال مسار المبادرة الفرنسية. ففي رأي مصادر قريبة من الثنائي، لا يُنظر الى تسوية فرنجية على أنها مبادرة بل هي اتفاق تم التوصل إليه بعد مناقشات الدول الخمس في باريس. ومنذ ذلك التاريخ لم يصدر عن الدول المعنية أي موقف يطيح ذلك الاتفاق أو يدفع الى الاعتقاد بسقوطه، بل على العكس، فإن كل المؤشرات تشي بأنه لا يزال ساري المفعول، حتى بعد دخول ترشيح جهاد أزعور على خط السباق الرئاسي.من هذه المؤشرات التي تستند إليها القوى الداعمة لفرنجية أنه لم يُعقد أي اجتماع آخر للدول الخمس، رغم كل الكلام عن احتمال حصول ذلك في الدوحة أو الرياض، ما يعني أن هذه الدول لم تُعد النظر بما تم التفاهم عليه في اجتماعها الباريسي.المؤشر الثاني تجلى في زيارة فرنجية لباريس ولقائه ماكرون بعيداً من الإعلام، رغم النفي المتكرر لحصول اللقاء، تبع ذلك استقبال السفير السعودي لفرنجية في دارته، من دون أن يرشح عن اللقاء أي تعليقات سلبية على نحو يحسم الجدل حول الموقف السعودي الرمادي. وثمة من يذهب الى القول بأن البخاري بارك لفرنجية اختياره مرشحاً رئاسياً.وفيما لم يصدر أي موقف عربي أو دولي من توافق المعارضة على مرشح موحد، جاءت زيارة الرئيس الأسبق ميشال عون لسوريا ولقاؤه مع الأسد ليعززا الانطباع بأن حظوظ فرنجية لم تتراجع بعد وأن التوافق المسيحي مع نواب وكتل مستقلة أخرى لن يكون كافياً لوصول أزعور الى بعبدا، خصوصاً أن هذا الترشيح لم يقترن بأي اقتراحات أو تسوية حول شخصية رئيس الحكومة المقبل، وهذا أمر أساسي لا يمكن إسقاطه من الحسابات أو من أي عملية انتخاب لرئيس، ما لم يحسم في المقابل اسم الشخصية التي ستتولى السلطة التنفيذية، تماماً كما حصل عند طرح تسوية فرنجية-سلام.