تنهش آلات المرامل جبال وسفوح السلسلة الشرقية، وتقضم ما تبقّى منها رويداً رويداً من دون حسيبٍ أو رقيب. أما الأمر الأكثر خطورة فهو أنّ أعداد تلك المرامل تتكاثر بشكل كبير، حيث أصبحت المنطقة ملاذاً لمن يملك المال ويريد الاستثمار في الطبيعة، ولمن يملك أرضاً خيّرة برملها تقصدها الشاحنات من مختلف الأراضي اللبنانية، لكنه غير قادر على استخراجه فيؤجرها مقابل بدل مادي.
منذ سنوات عدّة، نشطت حركة المرامل في سلسلة جبال لبنان الشرقية بعد انتهاء الحرب السورية، حيث كانت المنطقة ساحة صراع، وشهدت عمليات خطف وتفجيرات، وبعد انتهاء الحرب وانكفاء المسلحين، وسيطرة الجيش اللبناني عليها وعودة المهجرين الى قراهم، ظهرت طفرة غير مسبوقة لإستخراج الرمول. لذا، فإنّ حركة الشاحنات لا تهدأ ليلاً نهاراً، وكأنّ المنطقة باتت مصنّفة للمرامل.غبار الحرب والأزمة التي عانى منها المواطنون على مدار سنين، حلّ محله ومنذ أكثر من 5 سنوات غبار المرامل والكسارات المنتشرة في جبال السلسلة الشرقية، تأكل جبالها وتنهشها كما ينهش الذئب فريسته، وسط غطاء سياسي يسعى من خلاله البعض إلى تشريع تلك المرامل عبر إقتراح قانون قبل سنوات يرمي إلى تنظيم عمل المرامل والكسارات وحصرها بالسلسلة الشرقية.ومنذ حزيران عام 2019 انتهت المهلة المعطاة للمقالع والكسارات لتسوية أوضاعها، وحتى هذا التاريخ يعمل الكثير منها من دون تراخيص، وهي تصدر عن المجلس الوطني للمقالع والكسارات، المتوقف عن إصدارها. وقد شهدت طفرةً في انتشارها في ظل غياب قوننتها، ووضع البلد المنهار، وعدم القدرة على ضبطها، ولعب بعض الأحزاب دوراً في تغطيتها.لم يبصر المخطط التوجيهي للمقالع والكسارات منذ العام 2002 مروراً بـ 2006، ثم 2009 وصولاً الى العام 2012، حيث كانت هناك محاولات لتحديد أماكنها، النور، وضمن هذا الإطار سألت مصادر متابعة: “هل المرامل والكسارات اليوم تعمل وفق شروط ومعايير ومواصفات محددة؟ وهل التزمت وزارة البيئة بتلك الشروط لإعطاء التراخيص السابقة؟ فالكثير منها يعمل تحت مسميّات: فقاشة، غربال، ستوكاج، استصلاح أراض، وهذا التفاف على القانون، ناهيك عن عمل بعضها على أراضي الجمهورية اللبنانية ومن دون دفع بدل مالي للدولة”، مضيفةً بأنّ “هناك أيضاً عدم تدقيق في المناطق المصنّفة”، سائلة “من صنّف السلسلة الشرقية منطقة للمرامل”؟وفي وقت لا يزال اقتراح تنظيم عمل المرامل والكسارات ينتظر التشريع وصدور المراسيم التنظيمية، تشير مصادر مطلعة إلى أنّ عدداً من المتموّلين المحسوبين على جهة معينة اشتروا عقارات بمساحات خيالية في تلك المناطق وبأبخس الأثمان. كذلك، ومنذ سنوات اشترى أحد نواب المنطقة السابقين مئات الدونمات من الأراضي بين طفيل وبريتال، وكأنّ هناك غاية من تجميع تلك المرامل في هذه المنطقة التي كانت خلال الحرب ممرّاً إلى الداخل السوري وتشهد على معظم عمليات التهريب، وعليه، هناك مصلحةٌ لمستفيدين من تشريع المرامل والكسارات في المنطقة.بعد انتهاء الأزمة السورية وهدوء الجبهة، إرتفعت وتيرة إنتشار المرامل في السلسلة الشرقية بعدما كانت تقتصر على واحدة فقط، فانتشرت كالنار في الهشيم تأكل من الجبال وتوزّع البحص والرمل على مختلف المناطق اللبنانية فتقصدها مئات الشاحنات يومياً. وصحيح أنّ المنطقة فيها من الرمل والصخر ما يناسب المواصفات والأحجام المطلوبة، لكنّ الإقتراح المقدّم يبرّر حصرها بالسليلة بأنّ الأرض بشكلها الحالي غير مناسبة للزراعة، وبعد استخدامها واستخراج الرمال والصخور يصار إلى إعادة تأهليها لتصبح صالحة للزراعة، كذلك يتسلّح برأي خبراء بيئيين بضرورة الإبتعاد عن المناطق السكنية وبالتالي تركيز المواقع في السلسلة الشرقية.