قد تكون من أصعب تجارب الحياة ان يشهد طفل على مقتل والدته ويشاهد بام العين والده ينهي حياته، هذا ما جرى مع حبيب ابن المغدورة سحر داغر، الذي دخل الى منزله في بلدة عازور الجزينية مع جده الياس ليجد والدته وجدته جثتين فيما يهم والده بانهاء حياته. ومهما كانت الاسباب تعيد هذه الحادثة، التي هزت الرأي العام اللبناني يوم الخميس، الى الواجهة موضوع العنف الأسري الذي بات واحداً من أصعب المشاكل التي يعاني منها المجتمع في ظل هذا الانهيار الاقتصادي الكبير الحاصل، والتراخي في تطبيق القوانين.
من هنا، يعتبر الباحث في قضايا حقوق المرأة والطفل،المحامي ميشال فلاّح، أن “الأوضاع المعيشية والصحية والاقتصادية الصعبة في لبنان، خلال السنوات الماضية، شكلت سببًا رئيسيًا في ارتفاع معدّلات الجرائم، ومن أبرزها جرائم العنف ضدّ النساء والفتيات. وفي حين أنّ هذه الجرائم ليست قضية خاصة، بل قضية مجتمعية ووطنية، يصبح التصدّي لها مسؤولية جماعية أيضًا، وبالتالي لا بدّ من رفع الصوت ونشر الوعي والإضاءة على سبل التبليغ ومساندة الناجيات”.
وعن المنظومة القانونية الحمائية، أكد فلاّح في حديث عبر “لبنان 24” أن “القوانين تُمثّل عنصراً رادعاً في مكافحة العنف ضد المرأة، إلا أن الزيادة الصادمة في العنف ضد المرأة إبان جائحة كورونا، أظهرت أن بعض المجتمعات لا تزال تعاني من غياب الثقافة المجتمعية الوازنة، وأن النظرة الى المرأة لا تزال تخضع لمنظمومة من التقاليد والأعراف تحكمها العقلية الذكورية، أما بالنسبة إلى القانون الذي يحمي المرأة (وسائر أفراد الأسرة، نظرياً) من العنف في لبنان، قانون رقم 293/2014 فهو ينقسم إلى قسمين، عقابي وحمائي. في الاول يشدّد العقوبات على بعض الجرائم المنصوص عليها في قانون العقوبات اللبناني في حال ارتُكبت بين أفراد الأسرة، كما يجرّم الضرب والإيذاء. وفي الثاني يشمل أمر الحماية الذي يمكن للضحيّة طلبه بهدف إبعاد المعنِّف عنها وعن أطفالها عبر إبعاده عن المنزل، أو نقلها مع أطفالها الى مكان آمن.
واعتبر ان هذا القانون لا يجرّم فعل إكراه الزوجة على الجماع أو الاغتصاب الزوجي بحد ذاته، إنّما الضرب والإيذاء والتهديد التي يلجأ إليها الزوج للحصول على “الحقوق الزوجية”. ولكي يُعاقب المعنِّف، يجب أن تتقدّم السيدة بشكوى قضائية، في حين أن إسقاطها للشكوى يوقف ملاحقة المعنِّف. أما العلاقات التي لا يشملها قانون 293 فهي الزواج السابق، اذ لا يشمل القانون الزوج السابق علماً أن المرأة غالباً ما تبقى مُهدَّدة من قبله.
ومن هذه النقطة تنطلق الصحافية والناشطة في مجال شؤون المرأة حياة مرشاد لتؤكد “ان مسلسل الجرائم والدم بحق النساء والعنف اليومي لا يتوقف في لبنان بل هو يتفاقم ويزداد يوماً بعد يوم وهذا سببه التراخي المتراكم بملفات العنف ضد النساء وجرائم القتل التي تطالهن يومياً، معربة عن أسفها لأن العديد من القضايا التي سبقت هذه الجريمة، وحتى اليوم لم تصل الى النتائج المرجوة، ولم تحصل ارواح الضحايا على العدالة المطلوبة، لأن الجاني لا يزال طليقاً حراً، بظل تسامح مجتمعي مع الجرائم بحق النساء وتغطيات غير صحيحة من الاعلام تعيد انتاج الأفكار النمطية والذكورية”.
وشددت في حديث عبر “لبنان24” على ان كل هذه الأمور تنعكس سلباً على ثقة النساء بمنظومة الحماية وتخشى ان تطلب هذه الحماية مهما كانت، سواء أكانت امنية او قضائية او مجتمعية ما يجعلها تراوح دائرة العنف والتمييز.
كذلك، فقد أكدت على أنّ المطلب الاساسي اليوم هو العمل على التشديد بالعقوبات لأن لم يعد مقبولاً السكوت عن هذه الجرائم وعدم محاسبة القتلة لأن التشدد في العقوبات قد يكون الرادع الوحيد أمام استمرار هذا الاجرام.
لا احصاءات دقيقة
وعلى الرغم من كل عمليات التوعية، الا ان لا ارقام دقيقة حتى اليوم حول النساء المعنفات، نظراً للتكتم الذي يرافق هذا الأمر، الا ان فلاّح يعتبر أن “العديد من النساء كسرّن حاجز الصمت، خصوصاً بعد إقرار قانون “حماية النساء وباقي أفراد الأسرة” رقم 293 الذي أقر في 2014، وبعد حملات التوعية التي تقوم بها منظمات تعنى بشؤون المرأة. لكن، في المقابل، لا تزال هناك قصص كثيرة خلف الأبواب لم تروَ. وقد كشفت الحوادث الأخيرة التي قُتل فيها عدد من النساء على أيدي أزواجهن بطريقة وحشية، أن العوائق أمام حماية المرأة لا تزال كبيرة أمامهن. فالمشكلة إذن ليست في وجود قوانين، بل في تطبيقها والتساهل مع مرتكبي العنف، وما زال المجتمع يعتبر بأن الخلافات الأسرية هي حالات خاصة يحكمها مبدأ “العيب” و”التستر”، ولا يجوز الخروج بها الى المحاكم.
وعليه، المطلوب اليوم المزيد من التوعية والمزيد من التشدد في تطبيق القوانين منعاً لأن تتكرر حادثة سحر مع نساء أخريات، ومنعاً لأن نشهد مزيد من الجرائم بحق النساء والأطفال تحت اي ذريعة كانت.