كما هو متوقع فإن جلسة اليوم لن تحمل مفاجآت مدّوية. التحضيرات اكتملت. النتيجة معروفة سلفًا. لا رئيس للجمهورية في الجلسة الثانية عشرة. ولكن ما ليس متوقعًا هو ماذا بعد هذه الجلسة – المؤشرّ؟ ماذا ينتظر لبنان بعد هذا الليل الرئاسي الطويل؟ إلى أي خيار ستتجه الأنظار؟ كيف يمكن الخروج من هذه الدوامة، التي لا حلّ لها على المستوى المحلي؟ مَن سيحرّك المياه الرئاسية؟ هل سيكون الطرف الفرنسي عبر الموفد الرئاسي الجديد الوزير السابق جان ايف لودريان، أم مجموعة الدول الخمس؟ أين يقف لبنان من الاتفاق السعودي – الإيراني؟ وما هي الخطوات الممكنة، التي من شأنها وضع حدّ لحال النزف التي يعيشها اللبنانيون في يومياتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية؟ مَن سيكون صلة الوصل بين فريقي “المعارضة” و”الممانعة”؟ كيف يمكن إنزال كل هؤلاء المتخاصمين عن شجرة المواقف المتصلبة؟
Advertisement
هذه الأسئلة وغيرها الكثير تدور اليوم في رؤوس اللبنانيين، الذين يريدون صادقين أن يكون لديهم رئيس اليوم قبل الغد. لا فرق لديهم من سيكون هذا الرئيس. المهم بالنسبة إليهم أن يُنتخب رئيس، ولكن بالطبع ليس أي رئيس. يريدون رئيسًا يخرجهم من هذا المستنقع. يريدون رئيسًا يحمل معه مشروعًا إنقاذيًا بكل ما تعنيه كلمة “إنقاذ” من معانٍ جامعة. فالوطن ليس ملكًا لفريق دون آخر. هو للجميع على حدّ سواء. وبقدر ما يملك هذا الرئيس من مقومات جمع كلمة اللبنانيين بقدر ما يستطيع أن يعطي الأمل للناس بغد أفضل.
المطلوب من الجميع من دون استثناء القليل من التواضع والكثير من الانفتاح على الخيارات البديلة من خيار التقوقع والتفردّ وتمسّك كل فريق بالخيار الذي يراه الأنسب للبنان، الذي يريده على ذوقه، من دون الأخذ في الاعتبار أذواق الآخرين.
فـ “المعارضة” ترى في مرشحها الوزير السابق جهاد ازعور مشروع حلّ للبنان المنفتح على الجميع وعلى محيط لبنان العربي والدولي، وهو الذي يستطيع أن ينقل لبنان من ضفة الانهيار إلى ضفة التعافي من خلال ما يمكن أن يلقاه من مساعدات خارجية، وبالأخص من صندوق النقد الدولي. هذه “المعارضة” بكل أطيافها لا ترى أن مرشح “الممانعة” الوزير السابق سليمان فرنجية يمكن أن يجسدّ طموحاتها ، وترى فيه مشروعًا يتماهى مع المشروع الغريب كل البعد عن هوية لبنان المتعارف عليها في مقدمة الدستور.
أمّا “الفريق الممانع” المتمسك ّبفرنجية حتى النهاية فيرى فيه مشروعًا إنقاذيًا بامتياز، وذلك نظرًا إلى تاريخه السياسي العريق، ونظرًا إلى قدرته على التواصل مع الجميع، حتى مع أخصامه من دون عقد نقص، وهو القادر أيضًا على أن يكون جسر عبور من مرحلة التلاشي إلى مرحلة الانتعاش السياسي والاقتصادي، والانمائي، والاجتماعي، والحياتي. وهذا ما ينتظره اللبنانيون غير “المكودرين” ضمن مجموعات طائفية وحزبية.
ومن دون اقتناع هذا الفريق أو ذاك الطرف بأن النزول عن الشجرة قد أصبح أمرًا أكثر من ضروري فإن أحوال البلد آيلة إلى المزيد من التشنج والتحدّي، وإلى المزيد من الأزمات المتوالدة كل يوم.
فبعد 14 حزيران 2023 يجب أن يكون غير ما كان قبله، أقّله نظريًا. وما كان سائدًا قبل هذا التاريخ لم يعد جائزًا الاستمرار به أيًّا تكن الأعذار والحجج. فالخيارات المتاحة والمتوافرة حاليًا قد لا تعود ممكنة غدًا أو بعده.
من هذا المنطلق، على السياسيين اللبنانيين بمختلف أطيافهم وتوجهاتهم وارتباطاتهم أن ينزلوا من على شجراتهم إلى الواقع، وأن يتصرّفوا على أن لا أحد يمكنه أن يلغي الآخر. وإن لم يفعلوا فالوطن، الذي نعرفه ونصرّ على بقائه كما هو بتعدّديته وانفتاحه، إلى زوال.