انتهت أمس جلسة مجلس النواب المخصصة لانتخاب رئيس الجمهورية والتي كانت مرتقبة بحذر ليس لاعتبار أنها ستوصل رئيساً الى قصر بعبدا بل لكونها ستحدّد المسار والتوازنات السياسية والنيابية داخل المجلس النيابي وتوحي للمراقبين بكيفية إدارة المعركة الرئاسية في الأشهر المقبلة.
لكن الاهم من التوازنات التي بدت سلبية بشكل شبه كامل لفريق المعارضة على اعتبار أنه فشل في حرق ورقة رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية والحدّ من عدد اصواته من دون التمكّن من الحصول على عدد كافٍ من الاصوات في حساب الوزير السابق المرشّح الرئاسي المواجه جهاد أزعور والذي لم يتجاوز عتبة ال59 صوتاً فإن الجلسة لم تكن إيجابية بمعنى الكلمة لفرنجية وفريقه السياسي، إذ كان بإمكانه الحصول على عدد أصوات إضافية للوصول الى النتيجة المثالية التي كان يتمناها.لكن انتهاء الجلسة بهذه النتيجة يطرح سؤالاً حول مدى تماسك قوى المعارضة في المرحلة المقبلة. فهل تنجح هذه القوى بمشاربها وأحزابها وتياراتها المختلفة باستمرار توحّدها حول اسم ازعور أو أي منافس رئاسي آخر؟!من الصعب جداً تصوّر استمرار المعركة الرئاسية بنفس التوحّد من قِبل قوى المعارضة والذي كانت عليه في هذه المرحلة، إذ إن مشهد الحشد النيابي والضغوط السياسية وعملية التواصل الحثيثة التي قامت بها الاحزاب والتيارات السياسية المؤلفة لهذه القوى مع مختلف النواب لا يمكن تكراره بنفس الزخم، وبالتالي فإن الوصول الى نتيجة أفضل من التي حقّقتها أمس يبدو أمراً صعب الحصول.لذلك قد تبدأ كل قوة سياسية في إطار أهدافها المستقلة عن القوى الاخرى البحث عن طرق جديدة. مثال على ذلك فإن “التيار الوطني الحر”، الذي لم يكن يهدف حقيقة الى إيصال أزعور، قد يذهب للبحث عن مخارج سياسية من أجل الوصول الى تفاهمات مع “حزب الله” حول مرشح ثالث من دون أن يتّجه الى المواجهة الكاملة معه. في المقابل فإن رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط بات، بالشكل، متحرراً من كل التزاماته مع قوى المعارضة على اعتبار أنه حاول قدر المستطاع ومضى بمرشحهم حتى النهاية في حين أن الفريق الاخر لم يتنازل عن فرنجية ولم تستطع قوى المعارضة تأمين 65 صوتاً لمرشحها يُحرج بها “حزب الله” وحلفائه. لذلك ترى مصادر سياسية متابعة أن جنبلاط قد يتمايز مجدداً كما المرحلة السابقة عند ترشيح رئيس “حركة الاستقلال” ميشال معوّض، وإن كان ذلك يحتاج الى عدّة جلسات. كل ذلك يُضاف اليه عدد لا بأس به من النواب التغييريين والمستقلين الذين أعطوا التزاماً لقوى المعارضة بالتصويت لها في هذه المحاولة من دون أن يمسكوا معها بالتصويت حتى النهاية لأزعور، على اعتبار أنهم أرادوا أن لا يكونوا سبباً في فشل المعارضة في كسر “حزب الله”، لكنهم في المقابل ليسوا مقتنعين بأزعور كمرشح رئاسي وسيكملون معركتهم الرئاسية بمرشحين آخرين. من هُنا، فإن تماسك المعارضة بات مهدداً بشكل كبير في المرحلة المقبلة.