عن أي انتصارات يتحدّث نواب الفراغ الرئاسي؟

17 يونيو 2023
عن أي انتصارات يتحدّث نواب الفراغ الرئاسي؟

مَن يستمع إلى نواب الأمّة، الذين فرزتهم جلسة الأربعاء إلى أربع مجموعات تقريبًا، يتحدّث كل فريق منهم عن الانتصارات التي حققوها في هذه الجلسة، والتي انضمّت إلى سابقاتها في التعداد والسلبيات، يعتقد للوهلة الأولى أن البلاد في ألف خير، وأن لبنان الكبير هو الذي انتصر، أو أن أموال المودعين قد استعيدت بالكامل، وأن الأزمة الاقتصادية الخانقة قد بدأت بالتراجع لتحّل مكانها البحبوحة، وليعم الازدهار والأنماء، وأن القضاء كشف حقيقة انفجار المرفأ وبلسم جراح أهالي الضحايا.

 
فهذه المجموعات مجتمعة تدّعي أنها انتصرت بالفعل، وأنها حقّقت إنجازات كبرى. ولكثرة ما حقّقته من خطوات عملية متقدمة في مسيرة الإصلاح المطلوب دوليًا بإلحاح بات المواطنون لأعجز من التعبير عمّا بدر من هذه المجموعات من مجهودات لوضع حدّ لحال الفراغ، التي تعيشها البلاد منذ ما يقارب الثمانية أشهر.
فهذا الفراغ الذي يصيب كل مواطن ينتمي في السياسة إلى هذه المجموعات النيابية الأربع أينما وجد هو نتيجة تلكؤ جميع هؤلاء في القيام بما يفرضه عليهم الدستور، وهو انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وهو أضعف الإيمان في بلد ينهار وينهش فيه الفساد من كل حدب وصوب.  
ونسأل جميع هؤلاء الذين يتغنّون بالانتصارات التي حقّقوها في الجلسة الانتخابية الثانية عشرة، كل من موقعه السياسي والأيديولوجي، عمّا أنجزوه، وعمّا أقدموا عليه من خطوات من شأنها أن تقرّب اللبنانيين من خطّ النهاية، نهاية الأزمات التي يبدو أن لا نهاية لها، وذلك استنادًا إلى السياق العام المتبع في النهج وفي الممارسة، وماذا قدّموا لهذا المواطن، الذي يئّن من وجعه ولا يلقى من يستجيب لصرخته؟ 
هذه المسرحية المعروفة نهايتها في كل مرّة تنسدل فيها الستارة ليبدأ من جديد الاعداد لمسرحية أخرى لا تقّل في هزلية عمّا سبقها لن تجد من يضع لها سيناريو من وحي مأساة الناس، خصوصًا أن المتاجرة بأوجاع الناس باتت بالنسبة إلى البعض نوعًا من أنواع التسلية أو الترفيه.
ما يمكن أن يُقال، وبكل بساطة، بعد جلسة “الانتصارات الدونكيشوتية”، إن الأفق الرئاسي مسدود إلى أبعد الحدود. هذه هي الترجمة العملية الوحيدة لما شهده العالم يوم الأربعاء الماضي، ولسان حاله ما قاله جان ايف لودريان العائد إلى لبنان من جديد: إذا كان اللبنانيون لا يعرفون ما هي مصلحة بلادهم، وإذا كانوا لا يريدون أن يساعدوا أنفسهم للخروج من هذه الرمال المتحركة، فلا ينتظرون من الخارج أن يهبّ ليمدّ لهم يد المساعدة. 
فهذا الخارج بكل دوله في مكان آخر. هو يراقب الحركة الانفتاحية القائمة بين ايران وعدد من الدول العربية بعدما أرست المملكة العربية السعودية أساسات هذه الحركة عندما قرّرت أن تضع خلافاتها التاريخية مع طهران جانبًا، وتؤسّس لما ينتظر المنطقة من تحدّيات في العام 2030. 
هذا الخارج لم يفهم كيف أن المسؤولين اللبنانيين لم يستفيدوا من هذه اللحظة التاريخية، وهم المنتمون أساسًا في انقساماتهم الداخلية إلى ما كان قائمًا قبل اتفاق بكين، وهو لا يستوعب كيف أنهم يتركون بلادهم تنهار وهم يتفرجون على هذا الانهيار بما يعنيه من إنهاء وجودي لكينونة لبنان القائمة على صيغة تُعتبر من بين الصيغ الفريدة والنموذجية في العالم.