ما على اللبنانيين سوى انتظار الترياق الرئاسي من وراء الحدود

19 يونيو 2023
ما على اللبنانيين سوى انتظار الترياق الرئاسي من وراء الحدود


كان يأمل اللبنانيون أن يتحقّق المستحيل في الجلسة الثانية عشرة. كانوا يحلمون في أن يصبح لديهم رئيس كما في سائر دول العالم حتى تلك التي كان يُقال عنها بأنها توتاليتارية وغير ديمقراطية. لا شيء من كل ذلك تحقّق، وبقيت الحال على ما هي عليه، بل أسوأ. فالوضع الاقتصادي إلى المزيد من الانهيارات، وإلى انتاج طبقات شعبية أفقر من الفقر، مع ما تشهده الحياة العامة من تناقض في مشهدية سوريالية عن أماكن السهر واللهو، حيث يصعب إيجاد مكان في مطعم أو في مقهى إن لم يكن الحجز مؤّمنًا على الأقل قبل نحو أسبوع. 

وعلى رغم كل هذا التناقض والفروقات فإن اللبنانيين، سواء أولئك الذين ينامون من دون أن يتناولوا كسرة خبز يسدّون بها جوعهم، أو أولئك الذين يعيشون الحياة بطولها وعرضها، لا يزالون يعتقدون أن الحل، وإن كان يبدو اليوم مستعصيًا، لا بدّ آت، وهم ينتظرون شروق الشمس بعد الليل الطويل، وما عليهم سوى الانتظار. هذه قناعة أصبحت جزءًا من واقع فرضته بقوة جلسة 14 حزيران، التي خرج منها نواب الأمّة، إمّا متسللين وإمّا متسلحين بمواقف جديدة أكثر حدّة وتصعيدًا وتصّلبًا. هذا الواقع، وإن كانت مرارته كالعلقم، بات اللبنانيون، على اختلاف مشاربهم وأهوائهم السياسية وانتماءاتهم الطائفية والمناطقية، مجبرين على التعايش معه، وإن مكرهين. فالخيارات المتاحة أمامهم ضيّقة، وكذلك المخارج. ولا سبيل أمامهم سوى انتظار الفرج، الذي هو نتيجة صبرهم وصمودهم، ومحاولة وقوفهم في وجه العواصف العاتية، على رغم ما يتطلبه الأمر من مجهودات غير طبيعية، وتفوق أحيانًا كثيرة القدرات الذاتية. 
وتسأل اللبنانيين ماذا ينتظرون فيأتيك الجواب برفع الأيادي نحو السماء، علّ يعيد الدهر ما كان في لبنان، وعلّ تستجيب السماء لدعاء الداعين، وهم أغلبية الشعب اللبناني، الذي أصيب بخيبات أمل متتالية على أيدي بعض من الطبقة السياسية، بعدما أعاد توكيلها بمحض ارادته. وهنا الطامة الكبرى. وبعد، ماذا ينتظر اللبنانيون، وإلى متى سيبقون واقفين في صفوف الانتظار أيامًا وشهورًا وسنوات على أرصفة دول العالم، وهل في مقدورهم أن يصدّقوا بعد اليوم الوعود العرقوبية؟ الانتظار طال في محطات لم يأتِ قطارها بعد. ينتظر اللبنانيون لأن ليس أمامهم سوى خيار الانتظار، وإن طال.  فمن محطة باريس الى محطة طهران، وإلى محطة الرياض، وصولًا إلى واشنطن وبكين، يقف اللبنانيون لمراقبة حركة الخارج، الذي يُظّن بأنه مؤثر على مجريات الازمة الرئاسية عبر رصد المعطيات التي يمكن ان تحمل جديدًا ما قد يدفع بالأزمة نحو الحلحلة، ولو بجزئياتها القليلة. فغداة اللقاء الذي جمع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في قصر الاليزيه الجمعة، والذي كان الملف اللبناني من بين ملفات قليلة غير العلاقات الثنائية حظي باولوية لافتة في المحادثات، استقطبت زيارة وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان للعاصمة الإيرانية، بالاهتمام اللبناني كونها الأولى لوزير خارجية سعودي لإيران منذ أعوام عدة. ولا يُستبعد أن تكون محادثات بن فرحان مع المسؤولين الإيرانيين قد تطرقت الى ملفات المنطقة الساخنة ولبنان من بينها. 
فبعد الجلسة الثانية عشرة أصبح من المسّلم به أن الأبواب الداخلية ما زالت موصدة أمام انتخاب رئيس جديد للجمهورية، مع إصرار على المكابرة بدلاً من أن يبادروا إلى تقويم ما أسفرت عنه هذه الجلسة المخيّبة للآمال، وهذا ما يدعو غالبية اللبنانيين إلى الرهان على أن يأتيها الترياق من الخارج، طالما أن لا تبدّل في الخيارات الرئاسية داخليًا، ما يفتح الباب أمام السؤال عن دور المجتمع الدولي بإسقاط اسم رئيس من خارج جدول أعمال الكتل النيابية، شرط ألا يشكل تحدياً لأي فريق، وإلا فإن اللبنانيين سيمضون صيفاً بلا رئيس منتظرين ما يمكن أن يأتيهم من وراء البحار والحدود.