بعد أسبوعٍ من فشل النواب بانتخاب رئيسٍ، لم تتمّ الدعوة حتّى اللحظة لجلسة جديدة، بانتظار المساعي التي ستقودها فرنسا، بشخص موفدها إلى لبنان الوزير السابق جان إيف لودريان. ولا تُعوّل أوساط سياسيّة كثيراً على المبادرة الفرنسيّة المنتظرة، إذ إنّه لن يُكتب لها النجاح إنّ استمرّت باريس بالتعاطي بمنطق رئيس جمهوريّة لـ”الثنائيّ الشيعيّ” مقابل رئيس حكومة مقرّب من “السياديين” والسعوديّة، وحتّى إنّ غيّرت طريقة تعاطيها في الملف الرئاسيّ، ودعت إلى طرح أسماء وسطيّة غير مستفزّة، لأنّ “حزب الله” و”حركة أمل” ليسا مستعدّين للتنازل عن ترشّيح رئيس تيّار “المردة” سليمان فرنجيّة من جهّة، أمّا المعارضة و”التيّار الوطنيّ الحرّ”، فهما مواظبان على دعم الوزير السابق جهاد أزعور من جهّة ثانيّة.
Advertisement
وفي هذا السيّاق، تصطدم أيّ مبادرة فرنسيّة جديدة بتمسّك كلّ فريقٍ لبنانيّ بخياراته الرئاسيّة، فأزعور لا يزال مدعوماً من عددٍ وازنٍ من النواب، وحتّى لو انخفضت الأصوات التي سينالها في الجلسة المقبلة، إذا إنّه سيظلّ يحصل على أوراقٍ تفوق الـ50، بينما فرنجيّة أيضاً قريب جدّاً من المحافظة على النتيجة التي نالها.
وعلى الرغم من أنّ رئيس الحزب “التقدميّ الإشتراكيّ” وليد جنبلاط، وجّه نواب “اللقاء الديمقراطيّ” لدعم أزعور، إضافة إلى إقتراع أغلبيّة تكتّل “لبنان القويّ” له أيضاً، يُلاحظ أنّه والنائب جبران باسيل يدعوان للتوافق، إيماناً منهما بأنّ طرح مرشّح من هنا وهناك، لن يحلّ الأزمة الرئاسيّة. كذلك، فإنّ “الثنائيّ الشيعيّ” الذي رشّح فرنجيّة، وقام رسميّاً بالإقتراع له في آخر جلسة، يُشدّد في كلّ مناسبة على أهميّة الحوار.
ويبدو من خلال نتائج الجلسات الـ12 السابقة، أنّ لا حسم رئاسيّاً في المدى القريب من دون التوافق، فقد أصبح واضحاً أنّ أيّ فريق لا يقدر أنّ ينتخب مرشّحه بمعزل عن الطرف الآخر، فلا فرنجيّة يستطيع الفوز من دون بعض الأصوات المعارضة، ولا أزعور قادر على الربح من دون مباركة “حزب الله” و”حركة أمل”. والثابت الوحيد أنّ الإسمين لا يلقيان إجماعاً، لكن “القوّات” ومن معها مستمرّون بترشّيح المسؤول اللبنانيّ في صندوق النقد الدوليّ، بينما يرى “الثنائيّ الشيعيّ” في فرنجيّة أنّه أبرز شخصيّة وسطيّة.
وبسبب هذا الأمر، لا يعتبر مراقبون أنّ الحوار سيأتي بنتيجة، فالحلحلة لا يُمكن أنّ تتحقّق من دون تنازل “حزب الله” عن فرنجيّة. أمّا “القوّات”، فقد أعلنت مراراً أنّها لا تُعارض إنتخاب قائد الجيش العماد جوزاف عون، أو أيّ إسمٍ وسطيّ آخر يتحلّى بالصفات عينها إنّ تمّ التوافق عليه. فيما لم يصدر عن حارة حريك وعين التينة، أيّ موقف إيجابيّ تجاه أيّ من الشخصيّات الوسطيّة التي تُطرح في الكواليس السياسيّة.
ويُشير المراقبون إلى أنّه بمجرّد مطالبة باسيل وجنبلاط بضرورة التوافق، فإنّهما يكونان قد أعلنا في الوقت عينه عن إستعدادهما للتنازل عن ترشّيح أزعور، والبحث عن خيار جديدٍ. و”التيّار” كما “القوّات” و”الكتائب” والمعارضة ككلّ، يرفضون منطق الرئيس المفروض من طرفٍ معيّن، لذا، فإنّ طرح الأسماء الوسطيّة الأكاديميّة والكفوءة ومناقشتها مع الآخرين هو السبيل الوحيد للحلّ الرئاسيّ بالنسبة إليهم.
وبينما لا يزال موضوع الحوار يأخذ جدلاً، يلفت المراقبون إلى أنّ التواصل بين النواب في أروقة المجلس النيابيّ، أو خارجه، هو أيضاً شكلٌ من الحوار وربما أفضل منه، فمن المهمّ أنّ يبقى التنسيق قائماً بينهم جميعاً لتقريب وجهات النظر، لأنّ الإستمرار بترشيّح أزعور وفرنجيّة سيُبقي الأزمة الرئاسيّة، وربما لن يدعو الرئيس نبيه برّي لجلسة إنتخاب قريباً، إنّ لم يحصل تقدّمٌ في الإتّصالات السياسيّة داخليّاً وخارجيّاً.