لم يكد يمرّ أسبوع على إعلان “جبهة المتقاطعين”، في إشارة إلى القوى والأحزاب التي أيّدت ترشيح وزير المال الأسبق جهاد أزعور لرئاسة الجمهورية، في مواجهة رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، ثباتها على موقفها، حتى “تفرّقت” من جديد، عند أول استحقاق، او امتحان كما يحلو للبعض القول، مع انقسامها على خلفية الجلسة التشريعية، التي شارك فيها “التيار الوطني الحر”، وقاطعتها قوى المعارضة.
Advertisement
ورغم أنّ “الاختلاف لا يفسد في الودّ قضية” كما يقول البعض، فإنّ رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير السابق جبران باسيل وُضِع سريعًا في “قفص اتهام” رفاقه الجُدُد، الذين خرج منهم من يتّهمه، سرًا أو علنًا، بـ”تسليف” حلفائه القدامى، وتحديدًا “حزب الله”، موقفه هذا، ولا سيما أنّ الأسباب الموجبة للمشاركة تحت شعار “تشريع الضرورة” لا تقنع المعارضين، الذين يعتبرون أنّ معالجة موضوع الرواتب كان يمكن أن تتمّ عبر الحكومة.
ولعلّ ما عزّز هذا الجو “الاتهامي” وجود “ريبة” أساسًا في بعض أوساط فريق المعارضة، من أنّ “التقاطع” مع باسيل ظرفي ومرحلي، وأنّه لا يهدف منه سوى تحسين شروطه التفاوضية، قبل العودة إلى جلباب “حزب الله”، إن جاز التعبير، فهل ثبّتت الجلسة التشريعية هذا الأمر بشكل أو بآخر؟ وهل يمكن القول إنّها أطاحت بـ”التقاطع” وأنهت مفاعيله، وبالتالي “طوت” صفحة ترشيح جهاد أزعور، كما يقول خصومه أساسًا؟
قصة “مبدئية”
صحيح أنّ بعض التسريبات التي رافقت “التقاطع” بين “التيار الوطني الحر” وقوى المعارضة على ترشيح جهاد أزعور لرئاسة الجمهورية، أشارت إلى أنّ مسألة “تشريع الضرورة” طُرِحت خلال المفاوضات بين الطرفين، حيث قيل إنّ “القوات اللبنانية” تحديدًا حاولت “انتزاع” تعهّد من الوزير السابق جبران باسيل بعدم المشاركة في أيّ جلسة تشريعية في ظلّ الفراغ المستمرّ في رئاسة الجمهورية، منعًا لأيّ “تطبيع” مع الفراغ.
لكنّ الصحيح أيضًا أنّ مثل هذا “التعهّد” لم يحصل، سواء صحّت التسريبات أم لا، ولذلك يقلّل المعنيّون من الجانبين من أهمية ما حصل من “افتراق” في مقاربة الجلسة التشريعية، باعتبار أنّ القصّة هي من الأساس اختلاف على “المبدأ”، فقوى المعارضة، وفي مقدّمها “القوات”، ترفض المشاركة في جلسات التشريع من حيث المبدأ، التزامًا بقراءتها للدستور الذي ينصّ، وفق اجتهادها، على تحوّل البرلمان إلى هيئة ناخبة “حصرًا” في غياب رئيس الجمهورية.
أما “التيار الوطني الحر” فيختلف مع قوى المعارضة في هذه المقاربة، حيث يربط مشاركته بجدول أعمال الجلسات، والمواضيع الملحّة والضروريّة المطروحة ضمنه، إذ يعتبر أنّ “تشريع الضرورة” يجوز، بل إنّ ما يرفضه هو أن تمارس الحكومة مهامها، ما يعني أنه بعكس “القوات”، لا يريد “تشريع” أيّ معالجة عبر الحكومة، علمًا أنّه ينتقد قوى المعارضة التي سبق أن أقرّت بـ”تشريع الضرورة” في فترات سابقة، فيما تحرّمه اليوم.
“التقاطع” لم ينتهِ
مع هذا الاختلاف “المبدئي” في الرؤية والطرح، تصرّ أوساط الطرفين على وضع الأمور في سياقها، فالتقاطع الذي حصل على ترشيح جهاد أزعور ليس “تفاهمًا سياسيًا شاملاً”، وهو ما حرص الجانبان على تكراره في أكثر من مناسبة، وهو لا يزال محدودًا حتى الآن بالتوافق على ضرورة مواجهة ترشيح رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، ما يعني أنّ أيّ فريق لم “يَذُب” في الآخر، حتى يعطى أيّ اختلاف هذه الضجّة “المفتعلة”.
استنادًا إلى ما تقدّم، يؤكد المقرّبون من الطرفين أنّ التقاطع مستمرّ، طالما أنّ أهدافه لم تتحقّق بعد، وطالما أنّ الغاية لم تستنفد، علمًا أن الاختلاف يمتدّ إلى مقاربة ترشيح أزعور، فأوساط “القوات” مثلاً تصرّ على أنّ التقاطع على أزعور مستمرّ، طالما أنّ جلسة الانتخاب الأخيرة أثبتت “تفوّقه”، في حين تلمح أوساط “التيار” إلى ليونة أكبر، عبر إبداء انفتاح على سحب ترشيح الرجل، إذا ما تحقّق غاية “خروج” فرنجية من السباق الرئاسي.
في المقابل، يعتبر خصوم “التقاطع”، إن جاز التعبير، أنّه أدّى قسطه للعلا، وأنّه انتهى بانتهاء جلسة 14 حزيران، وما “تفرّق المتقاطعين” في الجلسة التشريعية سوى الدليل على ذلك، علمًا أنّ هؤلاء يعتبرون أنّ المشكلة الكبرى تبقى في أنّ هذه الجبهة غير متماسكة، ولا شيء يجمعها سوى الرغبة بالإطاحة برئيس تيار “المردة”، خلافًا لمعسكر الأخير الذي يقول هؤلاء إنّه أكثر صلابة وتماسكًا، ما جعل أرقامه تبدو “أعلى قيمة”، ولو كانت أقلّ.
ثمّة من يقول إنّ “المتقاطعين” على أزعور يدركون أنّ صفحته “ستُطوى” عاجلاً أم آجلاً، فهناك من بدأ الحديث عن “تقاطع” على اسم آخر، وهناك من يترقّب “حركة” الوزير باسيل الذي يكاد يقول بالفم الملآن أنّه باقٍ في “التقاطع” حتى يوافق “حزب الله” على البحث بـ”الخطة باء”. ولكن، طالما أنّ الشروط والشروط المضادة لا تزال نفسها، يبدو أن أيامًا إضافية ستُكتَب لـ”تقاطع”، يُقال إنّه محكوم سلفًا بالانتهاء، مهما طال الزمن!