كتبت هيام قصيفي في” الاخبار”: «الفرصة الأخيرة»، كما يقول مطّلعون على جولة الموفد الفرنسي جان إيف لودريان، تضع المسؤولين اللبنانيين على كلّ مستوياتهم أمام مسؤولياتهم. فالموفد الفرنسي لم يأتِ حاملاً عصا سحرية للحل، لكن زيارته تعكس، في طياتها وفي الشكل الذي اتخذته اللقاءات التي عقدها، حقيقة أن ما يقوم به هو الفرصة الأخيرة للعودة إلى المسلّمات الأولى. صحيح أن هناك محاولة لتجاوز مغزى القلق الفرنسي والأوروبي على وضع لبنان، لكن الصحيح أيضاً أنها المرة الأولى منذ سنوات يستعاد مشهد اصطفاف سياسي – طائفي، بدأ يفرض إيقاعه على عواصم عربية وغربية معنية بالوضع اللبناني.
وإذا كانت القوى المسيحية تعبر علانية عن خوفها من أن يكون الشغور طويلاً، فإنها تضع أمام الرأي العام الخارجي مخاوف جدية من أنه يبدأ برئاسة الجمهورية ويستكمل بحاكمية مصرف لبنان ومن ثم بشغور مركز قائد الجيش، أي في المواقع المارونية الأولى، ما يؤدي في غياب القوى السنية وتحوّل الحكومة إلى أداة في يد الثنائي، إلى قبض الأخير على الحكم. وما تقوله هذه القوى في نقاشاتها مع الخارج هو أن الشغور الذي تخشى منه يتبلور مع أداء الحكومة. فقد بادر رئيس حزب القوات بعد اجتماع الحكومة إلى تفنيد عدم دستورية اجتماعاتها، بعد مرحلة مهادنة مع الرئيس نجيب ميقاتي، كما يردّد التيار دوماً. وما تقوله القوى الثلاث هو أن حكومة تصريف الأعمال غير الحائزة على ثقة مجلس النواب، لا تتمتع بجزء يسير من صلاحيات حكومة الرئيس تمام سلام، ومع ذلك فإنها تتجاوز في أدائها ما قامت به حكومة سلام بأشواط. من هنا كان لافتاً إقدامها عشية جلسة انتخاب الرئيس، بكل ما حملته يومها من مخاوف، على الانعقاد وكأن شيئاً لم يكن. وكرّرت اجتماعاتها، وستكررها أكثر، وتطرح مجدداً تعيينات المجلس العسكري كواحدة من الخطوات النافرة. وهذا الاستسهال المتعلق بشغور المواقع أو بالتعيينات قد يؤدي لاحقاً إلى ترجمة ما كان يلوح به سابقاً باستعادة نص الطائف المتعلق بمناصفة وظائف الفئة الأولى بين المسيحيين والمسلمين «من دون تخصيص أي وظيفة لأي طائفة».
تحوّل القوى المسيحية إذاً الإجماع المسيحي إلى ورقة ضاغطة، وتستفيد من تموضع الحزب التقدمي الاشتراكي إلى جانبها لأسبابه المختلفة، فيعطيها حصانة ويضاعف من تمسكها بموقفها. لكن الإشكالية تبقى بالنسبة إليها أن التقاطع لم ينتقل بعد إلى إطار تنسيقي للخطوات المقبلة. والتعويل على الضغط الخارجي قد لا يؤتي ثماره مع حزب الله، الذي لا يزال مصراً على خريطة طريق واحدة لا غير، ترفضها هذه القوى. فعناوين الفيدرالية واللامركزية المالية والإدارية الموسّعة والخروج من الدولة تحتاج إلى برمجة عملية، لا يبدو أن أحداً اليوم لديه القدرة على السير بها، ولا تجد تغطية خارجية لها. ما يعني أن لعبة عض الأصابع في الشغور ستكون صعبة وحادة، وحزب الله، كما يرى معارضوه، أكثر جدية من أي وقت مضى في خوضها من دون حرج، ولو لوقت طويل.