الأميركيون يطلقون النار في الهواء: نحن هنا!

25 يونيو 2023
الأميركيون يطلقون النار في الهواء: نحن هنا!

كتب طوني عيسى في “الجمهورية”: ليس مستبعداً أن يكون لودريان نفسه مدركاً لصعوبة التوصل إلى تسوية في لبنان حالياً. وربما هو يعرف أنّ مهمّته الحالية لن تأتي بنتيجة. ولذلك، هو يخطّط لتنفيذ جولات مكوكية على خط باريس- بيروت، لعلّه يمنح الأفرقاء في الداخل والخارج ما يحتاجون إليه من وقت، للاقتناع بالتسوية الفرنسية المعروفة أو للتوافق على تسوية أخرى.

لم يكن متوقعاً أن يبادر الأميركيون إلى إطلاق النار- في الهواء على الأقل- في اتجاه المبادرة الفرنسية، وحتى قبل أن ينطلق لودريان في مهمّته. ففي توقيت حساس، أذاعت السفيرة الاميركية المنتهية ولايتها دوروثي شيا كلمة مسجّلة، بسبب مغادرتها بيروت، لإدلائها بشهادة أمام الكونغرس قبل تعيينها سفيرة لبلادها في الأمم المتحدة، وجاء فيها:
“إنّ البيان الاميركي – السعودي – الفرنسي (أيلول 2022) تضمن مواصفات الرئيس، وهي: رئيس غير فاسد، يمكنه توحيد الشعب، ويعمل مع الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية لتجاوز الأزمة، وتشكيل حكومة قادرة على تطبيق الإصلاحات ومعالجة الأزمة ومواكبة الاستحقاقات”. واضح من الكلمة المحضّرة مسبقاً، أنّ واشنطن قرّرت توجيه إنذار مبكر إلى الذين يعنيهم الأمر، وفي مقدّمهم فرنسا. وتذكيرها بالمواصفات التي تمّ التفاهم عليها مع الولايات المتحدة في أيلول الفائت، يعني أنّ واشنطن متمسكة بها، وأنّ أي تعديل على مضمونها يجب أن يخضع لموافقة واشنطن أيضاً.
قد يكون البيان الأميركي موجّهاً إلى فرنسا تحديداً، لكي “تلتزم حدودها” خلال محادثات لودريان. ولكن، قد تكون الرسالة موجّهة إلى المملكة العربية السعودية أيضاً، إذ وصلت معلومات إلى الأميركيين مفادها أنّ الرياض رضخت للطرح الفرنسي. وفي أي حال، لن يستطيع الموفد الفرنسي أن يتجاوز المضمون الاعتراضي للبيان الأميركي.
إذاً، في لحظة نزوله إلى الميدان اللبناني، تعرّض لودريان لأول رشق ناري مصدره واشنطن. وقد يتعرّض لرشقات من الأركان الآخرين في “لقاء باريس”، ما يجعل مهمّته صعبة، خصوصاً أنّ إيران ستقف هي أيضاً بالمرصاد لمهمّة لودريان إذا حاد عن الطرح الفرنسي الأساسي وسار بخيارات ترفضها. وبذلك، تبدو مهمّة لودريان محاصرة من جوانب عديدة. فالاعتراضات وتضارب المصالح إقليمياً ودولياً تجري ترجمتها باعتراضات وصراعات مصالح بين القوى الداخلية. ويدرك الديبلوماسي المحنّك، والذي يعرف اللبنانيين جيداً، أنّ هناك متاعب هائلة تنتظره في لبنان. وهذا ما دفعه إلى “تقسيط” مبادرته على دفعات.