يبدو أنّ مهمّة المبعوث الفرنسيّ إلى لبنان جان إيف لودريان لن تكون سهلة خلافاً لما يُوحي له البعض في لبنان، إذ أنّه تبلّغ من المراجع السياسيّة والروحيّة المواقف عينها، وأبرزها أنّ “حزب الله” و”حركة أمل” يريان في رئيس تيّار “المردة” سليمان فرنجيّة مرشّح المرحلة المقبلة، بينما المعارضة أبدت لموفد الرئيس إيمانويل ماكرون رفضها التامّ لانتخاب رئيسٍ من فريق “الممانعة”، لأنّ ما تحتاجه البلاد هو وصول شخصيّة إصلاحيّة إنقاذيّة وإقتصاديّة، قادرة على صيانة وحدة وسيادة لبنان، وانتشاله من الأزمات الماليّة والمعيشيّة، وتجنيبه الدخول في صراعات ومحاور المنطقة.
واللافت أنّ جميع من التقاهم لودريان عكسوا إيجابيّة في محادثاتهم معه، إنّ كانوا من “فريق الثامن من آذار”، أو من المعارضة، على الرغم من أنّه من المُؤكّد أنّ أحداً منهم لم يُقدّم تنازلات، ولم يتراجع عن خياراته ومرشّحيه لرئاسة الجمهوريّة. إلى ذلك، فإنّ الموفد الفرنسيّ اجتمع بكافة الأطراف تقريباً، بينما هناك إختلافات في وجهات النظر بين الفريق الواحد، فعلى سبيل المثال، المعارضة ليست موحّدة خلف مرشّحٍ واحدٍ، وهناك مفارقات واضحة ستتجلّى بين مكوّناتها في الجلسة المقبلة، وخصوصاً في موضوع دعم الوزير السابق جهاد أزعور، ما يعني أنّ مرشّحيها أصبحوا أكثر من إثنين، وقد يُعيد نواب “التغيير” التصويت لعصام خليفة أو شخصيّة أخرى، إلى جانب زياد بارود وأزعور.
أمّا في مقلب فريق “الممانعة”، فقد جدّد رئيس “التيّار الوطنيّ الحرّ” النائب جبران باسيل رفضه إنتخاب فرنجيّة، وقد علّقت أوساط “لبنان القويّ” على اللقاء مع لودريان، بقولها إنّ فرنسا “طوّت صفحة الماضي”، وإنّ هناك نقاطاً مشتركة بينهما، ما يُفهم منه من أنّ باريس لن تُسوّق لفرنجيّة مرّة جديدة، وهي تبحث عن تفاهم اللبنانيين في ما بينهم. ولكن في المقابل، فإنّ رئيس “المردة” كان مرتاحاً أيضاً بعدما اجتمع بلودريان، ما يعني أنّ كلّ فريقٍ يُترجم نتائج إجتماعه بالمبعوث الفرنسيّ على الطريقة التي تُريحه، أيّ أنّ هناك تناقضات كثيرة في المواقف، فهل من المعقول أنّ يخرج الجميع رابحاً ومتفهّماً للمبعوث الفرنسيّ، وفي الوقت عينه يتمسّك بطرحه الرئاسيّ؟
أمّا في ما يخصّ الحوار، وحول إمكانيّة فرنسا إستضافته، فلا شيء يدعو للتفاؤل بهذا الموضوع أيضاً، لأنّ موقف القوى المسيحيّة معروف منه، وتدعو إلى انتخاب رئيس للجمهوريّة بأسرع وقتٍ، والتفاهم فقط في مجلس النواب. كذلك، فإنّ بكركي لم تفلح بجمع رؤساء الأحزاب والكتل المسيحيّة للخروج بمرشّحٍ واحدٍ، فكيف ستستطيع فرنسا أنّ تنجح حيث فشل البطريرك المارونيّ مار بشارة بطرس الراعي، وقبله رئيس مجلس النواب نبيه برّي؟
وتجدر الإشارة إلى أنّ لودريان التقى الوزير السابق زياد بارود، ووفق المعلومات المتوفّرة طرح إسم قائد الجيش جوزاف عون لاستيضاح النواب حول إمكانيّة الإتيان بشخصيّات وسطيّة، وإنّ كان التوافق عليها واردٌ. وبحسب مواقف “الثنائيّ الشيعيّ”، فإنّ لا مرشّح له سوى فرنجيّة، والأخير سبق وأنّ هاجم بارود في كلمته التي ألقاها في ذكرى مجرزة إهدن، أيّ أنّ لا توافق عليه في فريق الثامن من آذار، إنّ لم ينسحب رئيس “المردة” من السباق الرئاسيّ. إضافة إلى ذلك، فإنّ العديد من النواب ليسوا متحمّسين لانتخاب قائد الجيش، متحججين بتعديل الدستور.
في المحصّلة، من المبكر الحكم على فشل زيارة لودريان، لكن كما هو واضحٌ من المواقف، فإنّ لا شيء يدلّ على أنّ فرنسا قادرة على معالجة المشكلة السياسيّة اللبنانيّة، وحتّى لو غيّرت طريقة تعاطيها مع الملف الرئاسيّ. وفي هذا السياق، يُشدّد مراقبون على أنّ المعضلة الرئاسيّة داخليّة، وحلّها داخليّ، فكافة المبادرات الخارجيّة السابقة سقطت لأنّ كتلاً نيابيّة رفضتها، أو أبدت ملاحظاتها عليها بسبب الأسماء الرئاسيّة التي تمّ التسويق لها.
ويُؤكّد المراقبون أنّ الخروج من الأزمة يبدأ أوّلاً بالتنازل عن فرنجيّة وأزعور، والذهاب إلى خيارات وسطيّة لا تستفزّ أحداً. ويعتبر المراقبون أنّ الكرة في ملعب “الثنائيّ الشيعيّ”، فإذا تخلّى عن مرشّحه، فإنّ المعارضة ستكون مستعدّة للخيار الثالث، وهي لطالما أبدت مرونة بأسماء المرشّحين، طالما ليست منتميّة لفريق الثامن من آذار.