باريس تريد أن تأكل عنبًا رئاسيًا وليس قتل الناطور

28 يونيو 2023
باريس تريد أن تأكل عنبًا رئاسيًا وليس قتل الناطور


هل يمكن أن نعتبر أن ما قاله رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد عمّا أسماه “مشكلة في من لا يريد رئيسًا تطمئن المقاومة الى أنه لن يطعنها في ظهرها”، مقدمة لحوار افتراضي يمكن أن تؤسّس عليه باريس للانطلاق في مبادرة جديدة تكون في مستوى المأزق، الذي لمسه موفدها الرئاسي إلى لبنان جان ايف لودريان خلال جولته الاستماعية الأولى؟ 

Advertisement

ما تريده فرنسا لم يعد خافيًا على أحد، وهي التي باتت تدير الملف اللبناني، بالتنسيق مع ممثلي مجموعة الدول الأربع، والتي هي واحدة منها. فباريس تريد أن تأكل عنبًا رئاسيًا وتبتعد عن فكرة قتل “الناطور”، خصوصًا بعدما لمست استحالة القيام بأي خطوة انفرادية ما لم تلقَ دعمًا أميركيًا وسعوديًا، وموافقة إيرانية ضمنية، للسير في نهج هذا المثل اللبناني عن “العنب والناطور”، مع ما يتطلبه هذا الأمر من قبول غير مشروط من جميع المكونات السياسية، وبالأخصّ بين قطبي المحورين المتنافسين، والممثلين في شكل رئيسي بـ “الثنائي الشيعي” من جهة، و”الثلاثي المسيحي” من جهة أخرى، بغض النظر عمّا يفرّق بينهم من تناقضات باتت أكثر وضوحًا من ذي قبل. 
ويسأل سائلون في محور “المعارضة” عن جدوى الحوار، الذي يدعو إليه “حزب الله”، على لسان رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة”، وهو الذي يرفض مجرد التفكير بالتخلي عن المرشح سليمان فرنجية مقابل تخّلي “المعارضة” عن فكرة ترشيح الوزير السابق جهاد ازعور. 
وفي رأي هؤلاء أن أفضل وسيلة لتمرير الاستحقاق الرئاسي بأقل أضرار ممكنة هي بذهاب الجميع إلى مجلس النواب، في جلسات مفتوحة متتالية، ولتُترك للعبة الديمقراطية أن تأخذ مجراها الطبيعي، وليفز من ينال أصواتًا أكثر. فصندوقة الاقتراع هي من تحدّد هوية الرئيس العتيد، وليس أي شيء آخر. وأي حديث عن حوار رئاسي هو مضيعة للوقت، وهو لن ينتج أي رئيس ما دام “حزب الله” مصممًا على دعم فرنجية حتى الآخر، ويعلن بوضوح وصراحة أن لا بديل عن سليمان فرنجية سوى سليمان فرنجية. 
في المقابل ترى أوساط “الثنائي الشيعي” أن الحديث عن “ديمقراطية الانتخابات”، وإن كانت صحيحة نظريًا، هو حديث في غير موضعه الطبيعي، لأن لبنان محكوم بـ “ديمقراطية توافقية” في الاتفاق أولًا على هوية رئيس الجمهورية، ومن ثم على شخصية رئيس الحكومة، ومن بعدهما على شكل الحكومة وبيانها الوزاري وخطة عملها. فلبنان بما فيه من مشاكل وخلافات جوهرية وثانوية هو غير الدول الديمقراطية الأخرى، التي تحتكم إليها من أجل تكوين السطات فيها، وليس فيها هذه التعددية الطوائفية كما هي الحال في لبنان. 
  إلاّ أن بعض الأوساط المحايدة ترى أن رفع شعار الحوار وحده لا يكفي، إذا لم تقترن الدعوة بالدخول إلى قاعة الحوار من دون شروط مسبقة، حتى يكون للنقاش جدوى أولاً، وحتى يتخذ اللقاء الجديّة اللازمة للتوصل إلى النتائج المنشودة. 
فالنتيجة الأولية للقاءات التي عقدها لودريان يمكن اختصارها بما أوصى به في نهاية زيارته عندما دعا اللبنانيين إلى الحوار والتوافق، وهذا ما سيكون عليه الوضع عند عودته الثانية إلى بيروت، حيث يُعتقد أن الدعوة إلى الحوار يُفترض أن تسلك طريق التنفيذ.  
فالحوار، في رأي هذه الأوساط لا يكون بالشعارات أو حصره فقط بانتخاب رئيس للجمهورية، على أهمية هذه المسألة، بل يجب أن يكون حول برنامج إصلاحي شامل ومطلوب للإنقاذ الوطني. والحوار بمفهومه العام يجب أن يفضي حتمًا إلى توافق بالحدّ الأدنى على هوية الرئيس كمقدمة لا بدّ منها للولوج إلى حلّ شامل ونهائي، يتناول في عناوينه الرئيسية خارطة طريق ومشروع عمل شامل وتدرّجي وواضح في عناصره للسلطة الجديدة التي سيتم التوافق على انتاجها رئيسًا وحكومة.  
إن أي حوار لا يفضي إلى بلورة رؤية شاملة للإنقاذ الوطني هو “حوار طرشان” ليس إلاّ.