وفق الكثير من المراقبين، يبدو أنّ لبنان ليس من ضمن “أجندة” البلدان الغربيّة والفاعلة في المنطقة، إذ أنّ معظم الدول، إمّا منشغلة بالحرب الروسيّة – الأوكرانيّة وبمشاكلها الإقتصاديّة التي ترتّبت عليها نتيجة هذا الصراع، وإمّا بالبرنامج والمفاوضات الخاصّة بالنوويّ الإيرانيّ. إلى ذلك، لم يتأثّر لبنان بالتقارب العربيّ – الإيرانيّ والخليجيّ – السوريّ، ولا يزال الإستحقاق الرئاسيّ يُراوح مكانه، مع اقتراب نهاية ولاية كلّ من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وقائد الجيش العماد جوازف عون، ما قد يُدخل البلاد في أزمات ربما تكون تداعياتها خطيرة على الوضعين الماليّ والأمنيّ.
وفي حين يُحمّل المراقبون مسؤوليّة الفراغ لـ”الثنائيّ الشيعيّ” المتمسّك برئيس تيّار “المردة” سليمان فرنجيّة، يبدو أنّ الموفد الفرنسيّ إلى لبنان جان إيف لودريان اقتنع أنّه من دون ضمّ إيران إلى المفاوضات حول الملف الرئاسيّ اللبنانيّ، فإنّ لا رئيس سيُنتخب في المدى القريب، لأنّ دور طهران أساسيّ في هذه المرحلة الصعبة التي تمرّ فيها البلاد، وضغطها على “حزب الله” سيُؤدّي إلى التسريع في إنجاز الإنتخابات.
وحتّى الآن، لا تزال إيران تلعب دوراً فاعلاً في تعزيز حركة “المقاومة” في المنطقة، وتُعزّزه من خلال دعم “حزب الله” والفصائل الفلسطينيّة عسكريّاً وماليّاً، بحسب ما أفاد السيّد حسن نصرالله في الكثير من المناسبات. وتجدر الإشارة إلى أنّ طهران كما الرئيس السوريّ بشار الأسد، أوكلا مهمّة ترشّيح فرنجيّة وانتخابه أو أيّ شخصيّة أخرى إلى “الحزب”، وقد أعلنا بذلك إنسحابهما من التدخّل رسميّاً من هذا الإستحقاق المهمّ.
ويقول المراقبون إنّ إيران مهتمة جدّاً بانتخاب رئيسٍ يكون امتداداً لسياسة سلفه ميشال عون تجاه “المقاومة”، لأنّ الغطاء المسيحيّ ضروريّ لحماية سلاح “حزب الله”، ولتقويّة محور “الممانعة” في المنطقة، ولأنّ هناك شبه إجماع نيابيّ مسيحيّ على رفض فرنجيّة، ومنطق “الفرض” الذي ينتهجه “الحزب”. ويُشير المراقبون إلى أنّ طهران بابتعادها عن رئاسة الجمهوريّة، قد باركت بشكلٍ غير مباشر الجهود التي تقودها حارة حريك وعين التينة بدعم رئيس “المردة” والمواجهة بهدف وصوله إلى بعبدا.
أمّا في ما يخصّ إمكانيّة ضمّ إيران إلى الدول الخمس المعنيّة بالملف اللبنانيّ، فيعتبر المراقبون أنّ طهران ستتعاطى مع الموضوع كما المملكة العربيّة السعوديّة، وستُظهر أنّها تترك للبنانيين حريّة التوافق وانتخاب رئيسهم. وبهذه الطريقة، تكون تُعطي “الثنائيّ الشيعيّ” دفعة إضافيّة للإستمرار بترشّيح فرنجيّة.
وعما إذا طلبت الدول الخمس من إيران الضغط على “حزب الله” من أجل التنازل عن فرنجيّة، وحثّه على التوافق مع الأفرقاء اللبنانيين على خيارٍ وسطيّ ثالثٍ، ولا يُشكّل إستفزازاً لها ولحلفائها في لبنان، يقول المراقبون إنّ هذا الأمر مرتبط بمدى إستعداد هذه البلدان لتقديم مقابلٍ لطهران، وخصوصاً في الملف النوويّ، ومساعدتها في رفع العقوبات الإقتصاديّة عنها، وتعزيز التبادل الإقتصاديّ والدبلوماسيّ معها. فطهران تُعاني منذ فترة من عزلة دوليّة وعربيّة أثّرت كثيراً على وضعها الماليّ والتجاريّ والنقديّ، وتقاربها من السعوديّة وإنهاء الحرب في اليمن، وإنجاز الإتّفاق النوويّ، أولى الخطوات لوضعها من جديد على الخارطة العالميّة.
ويُشدّد المراقبون على أنّه من دون طلب إيران رسميّاً من السيّد نصرالله ورئيس مجلس النواب نبيه برّي تسهيل الإنتخابات، فإنّ المراوحة ستظّل تتحكّم بالمشهد الرئاسيّ. من هنا، تُعوّل فرنسا على الدور الإيرانيّ في تليين موقف “حزب الله”، لأنّ الشغور الرئاسيّ يضرّ كثيراً بلبنان، وتداعيات الوضع اللبنانيّ ستنسحب سريعاً على الدول المعنيّة به، إذ إنّ هناك إجماعاً على أنّ الإستقرار السياسيّ في بيروت ضروريّ جدّاً، ولا يتحقّق من دون إنتخاب رئيسٍ، وتشكيل حكومة إصلاحيّة جديدة لمعالجة المشكلات الإقتصاديّة.
ويُتابع المراقبون أنّ نفوذ إيران في لبنان أكبر من الرياض، لأنّ دورها فاعل في التأثير على قرارات “حزب الله” وحركة أمل”، بينما السعوديّة تراجعت قوّتها بعدما انقسم النواب السنّة بين “صقور المستقبل”، وموالين لفريق الثامن من آذار، وآخرين من المستقلّين و”التغييريين”. إضافة إلى ذلك، فإنّ فرنسا لم تستطع طوال 8 أشهرٍ من كسر الجمود الرئاسيّ، وهي بحاجة لشريك دوليّ قادر على مساعدتها في تقريب وجهات النظر.
ولعلّ المبادرة الفرنسيّة الجديدة المنتظرة ستقوم على مبدأ إيجاد مساحات مشتركة بين جميع الأفرقاء، وهناك قناعة لدى المعارضة بأنّ التقارب والتوافق مع “الثنائيّ الشيعيّ” لا يُمكن أنّ يتمّ من دون أنّ يتنازل عن فرنجيّة، وهذه المهمّة يقول المراقبون إنّ باريس ستُوليها إلى إيران، من خلال ضمّها إلى المساعي الراميّة لإنهاء الأزمة اللبنانيّة.