الثقة مفقودة بين مكوّنات الوطن… بهذه الطريقة وحدها يُعاد ترميمها

29 يونيو 2023
الثقة مفقودة بين مكوّنات الوطن… بهذه الطريقة وحدها يُعاد ترميمها


يدخل لبنان، بدءًا من اليوم، فترة استراحة سياسية، لمناسبة عيد الأضحى المبارك. ولكن هذه الاستراحة لن تكون خالية من “الاتصالات الرئاسية”، وإن غير علنية. فبعد زيارة الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان، وبعدما أدلى كل فريق بدلوه، يعود الجميع إلى قواعدهم “سالمين”، باستثناء الوطن غير السالم وغير المحمي من “السهام السياسية”، التي تقاطعت بالتكافل والتضامن، على إبقاء الوضع الرئاسي أولًا، ومن ثم الوضع العام، على جموده القاتل، إذ لم تلح في الأفق أي بارقة أمل بقرب حلحلة ما في الملف الرئاسي. فكل المواقف التي سُجلت في خلال وجود الموفد الفرنسي في لبنان، وبعد مغادرته، لا توحي بأن ثمة حلًّا قريبًا للعقدة الرئاسية. 

فالجميع في انتظارٍ لا نغالي إن وصفناه بـ “المميت” و”المقيت”. من دون أن يعرف أحد منّا ماذا ينتظر السياسيون في لبنان، وعلى ما يراهنون، وما هي المتغيّرات الدولية والإقليمية، التي يمكن أن تستجدّ من الآن وحتى عودة لودريان؟  
فهذه العودة، كما يصفها بعض المقرّبين من السفارة الفرنسية في بيروت، قد تكون الفرصة الأخيرة أمام اللبنانيين، خصوصًا أن لودريان سيحمل معه هذه المرّة مشروع حل يستند إلى واقعية سياسية أساسها التوافق اللبناني – اللبناني، كانطلاقة يرى الفرنسيون أنها السبيل الوحيد المتاح أمام اللبنانيين، بمختلف مشاربهم السياسية، لكي يضعوا تصورًا أوليًا لخارطة الطريق، التي يجب سلوكها كمخرج الزامي من عنق زجاجة الأزمات المتراكمة، وذلك من خلال ما يمكن أن يفضي إليه هذا التوافق المبدئي على رسم معالم وهوية الرئيس العتيد، الذي سيكون من بين مهامه الكثيرة إدارة حوار بنّاء وهادف لبلورة طبيعة المرحلة الجديدة من حقبة يرى فيها البعض نوعًا من إعادة بناء الدولة على أسس جديدة تكون لبنتها الأساسية ترميم عامل الثقة بين اللبنانيين على غير ما هو حاصل اليوم.
وفي رأي أكثر من طرف أن أزمة الثقة التي يعيشها اللبنانيون المنقسمون أفقيًا في شكل تلقائي هي العقدة شبه الوحيدة، التي لا تزال تحول دون الخروج من المأزق الرئاسي. فلا “حزب الله” يثق بالقوى الأخرى. ولا هذه القوى تطمئن إلى مشاريع “الحزب”. وعليه، فإن البلاد “مكربجة” ومرهونة الحلحلة فيها بمدى عدم اطمئنان “الحزب” إلى أي رئيس من الطرف الآخر، لأن لديه هاجسًا تاريخيًا من أن أي رئيس لا يكون منبثقًا من رحم البيئة الشيعية (الثنائي الشيعي) قد يطعن المقاومة في الظهر.  في المقابل، فإن أحزاب “المعارضة” لا ترتاح إلى أي مرشح رئاسي يدعمه “الثنائي الشيعي”، لأنها تخشى أن يقود البلاد إلى تغيير ممنهج لهويتها القائمة على التعددية بكل أوجهها. وهي لا تخفي هاجسها من أن تتحوّل الجمهورية اللبنانية مع أي رئيس غير الرئيس، الذي تطرحه “المعارضة”، إلى ما يشبه الجمهورية الإسلامية الإيرانية. 
فهذه الهواجس المتبادلة نابعة من فقدان عامل الثقة بين مكونات الوطن. وانعدام هذه الثقة هو الذي يحول حتى اللحظة دون انتخاب رئيس للجمهورية، حيث يتبادل أصحاب الثقة المفقودة الاتهامات التخوينية. 
ولكي تعود الثقة، التي كانت سائدة في الماضي، وإن شابها بعض الهنّات، لا بدّ من أن يجلس الجميع إلى طاولة واحدة كي يتصارحوا. فلا مصالحة حقيقية من دون مصارحة صادقة وواقعية وجريئة. ومن دون هذه المصارحة ووضع كل الهواجس على طاولة التشريح يبقى المرض الطائفي والقبلي والطبقي متحكّمًا بكل مفاصل الحياة السياسية في لبنان، ويبقى الوضع على ما هو عليه وصولًا إلى الارتطام الكبير.