إستنفار أمني وقضائي وسياسي لاستيعاب تداعيات أحداث القرنة السوداء

3 يوليو 2023
إستنفار أمني وقضائي وسياسي لاستيعاب تداعيات أحداث القرنة السوداء


أرخت حادثة القرنة السوداء بظلّها على المشهد المحلي، حيث تشيّع بشري اليوم هيثم ومالك طوق، وسط حداد تام في بشري، بحسب ما أعلنت بلديتها.
وأعلنت قيادة الجيش أنه إلحاقًا بالبيان السابق المتعلق بمقتل مواطنَين في منطقة القرنة السوداء، تدعو قيادة الجيش جميع اللبنانيين إلى التحلّي بالمسؤولية وضبط النفس والحرص على السلم الأهلي، وعدم الانجرار وراء الشائعات واستباق التحقيق.كما تؤكد القيادة أن الوحدات العسكرية تواصل الانتشار وتنفيذ التدابير الأمنية في المنطقة، وأن الجيش يقوم بالتحقيق في الموضوع تحت إشراف المراجع القضائية المختصة، وذلك انطلاقًا من واجبه الوطني.

وكتبت” الاخبار”: حتى الآن، تعدّدت الروايات حول ما حدث السبت، فيما لا تزال الرواية الرسمية تنتظر انتهاء التحقيقات. فور مقتل هيثم طوق أولاً، راجت شائعات بأنه أصيب برصاصة قناص من مسافة 800 متر. غير أن الأجهزة الأمنية استبعدت هذه الفرضية تماماً. ولفتت مصادر عسكرية إلى أن طبيبين شرعيين كشفا على الجثة، وأكدا أن طوق أصيب برصاصة اخترقت كتفه من الخلف وكسرت أضلاعه قبل أن تخرج من الجهة الأخرى، ما ينفي نظرية القنص عن بعد، وإلا كانت الرصاصة استقرّت داخل جسده. لذلك، ترجّح الأجهزة الأمنية فرضية إطلاق النار من مسافة قريبة، أضف إلى ذلك أنه تم العثور في مكان الحادثة على مظاريف فارغة، ما يرجّح وقوع اشتباك بين طرفين.كذلك لم تتضح بعد ملابسات مقتل مالك طوق، غير أن الترجيحات تشير إلى احتمال سقوطه في اشتباك مع عناصر من الجيش حاولوا منع مسلحين من أبناء بشري التوجه إلى منطقة الضنية للانتقام لمقتل هيثم طوق. وتقول روايات شهود إن ستة جرحى آخرين سقطوا في الاشتباك، فيما تنفي مصادر أمنيّة أن تكون التحقيقات قد جزمت بأن طوق توفي برصاص الجيش.
وبحسب المعلومات، فقد بلغ عدد الموقوفين حتى مساء أمس نحو 30 من بشري ومن الضنية، من بينهم نائب رئيس بلدية بقاعصفرين وعدد من ضباط الجيش.
وشدّد المائب فيصل كرامي في اتصال مع «الأخبار» على «عدم الانجرار نحو الفتنة والدم، وحقن الدماء وانتظار انتهاء التحقيقات». وأشار إلى أن «أهالي الضنية الذين تم استدعاؤهم إلى التحقيق توجّهوا إلى مراكز الجيش فوراً، خصوصاً أنّنا مؤمنون بدور الدولة وأجهزتها».وكتبت” نداء الوطن”: إنها ليست المرة الاولى، وبالتأكيد لن تكون الاخيرة التي يسعى الفتنويون الى تدبير فتنتهم في الشمال حيث قلب لبنان. فهم دبّروا مثلها سابقاً، لكنهم فشلوا في إستدراج من هم خارج العبث بالسلم الاهلي، في هذه المرحلة التاريخية، ونعني بهم المسيحيين والسنّة. وعلى الرغم من دفق “الاستثمارات” في الفتنة عبر موالين من هنا وتابعين من هناك، إلا أن المكوّنيْن المسيحي والسني في هذه المنطقة بالذات، كانا وما زالا عصيين على “المستثمرين” في قرنة سوداء ستثبت الأيام أنها أكثر بياضاً من سواد قلوب منظومة الفتنة.ولعلّ ما صرّح به مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان خلال إتصالات المواساة والتهدئة التي أجراها أمس ما يضع إصبع التنبيه على الجرح النازف من محاولة الفتنة الجديدة، عندما دعا الى الحذر من وجود “طابور خامس يسعى الى تسعير الفتنة والإصطياد بالماء العكر”!وتشير مصادر مطلعة لـ”البناء” الى أن ما حصل في بشري هو حادث فرديّ ولا يحمل أي تأويلات وليس وراءه اي خلفيات سياسية. وقالت المصادر إن حزب الله لا علاقة له لا من قريب او من بعيد بما حصل ببشري، وهو يعمل منذ لحظة وقوع الحادثة على تهدئة الأمور حفاظاً على الاستقرار. وهذا ما عمل عليه أيضاً رئيس المجلس النيابي نبيه بري من خلال اتصالاته مع عدد من المسؤولين في المنطقة ودعوته الى التعاطي بحكمة مع الحادثة وعدم الانجرار وراء الشائعات وانتظار جلاء الحقيقة وحماية السلم الأهلي.وحسب معلومات «اللواء» من مصادر متابعة للموضوع، اوقفت مخابرات الجيش اللبناني 5 أشخاص من بشري قيد التحقيق، كما اوقفت نحو 11 شخصاً من منطقة الضنية لأنهم كانوا متواجدين في المنطقة عند وقوع الحادث المؤسف. كما استمعت مخابرات الجيش الى الشاب الذي كان برفقة الضحية هيثم الهندي طوق لحظة وقوع الحادثة، وبدأت التحقيق معه من اجل كشف بعض الأمور، وخاصةً ما جرى بالتحديد لحظة اطلاق النار الأول الذي ذهب ضحيته الشاب هيثم.واضافت المصادر: ان الموقوفين من الطرفين ليس مشتبهاً بهم، لكنهم كانوا في المحيط، ويستمع الجيش الى افاداتهم لمعرفة ما اذا كانت لديهم معلومات عن تفاصيل الحادثة او اذا كان بعضهم متورطاً. كما اجرى الجيش امس مداهمات للبحث عن مرتكبي جريمة.واوضحت ان التحقيق مع هؤلاء يجري بتكتم شديد منعاً لتسريب اي معلومات مغلوطة قد تسهم في مزيد من الاحتقان والتوتر الطائفي والمناطقي، لذلك لا توجد اي معطيات فعلية دقيقة حول مسار التحقيق.وقالت مصادر امنية لـ «الديار» ان «التوتر الذي ساد مساء السبت – الاحد تراجع مع ساعات النهار يوم امس»، لافتة الى ان «كمّا كبيرا من الشائعات واكب الانتشار الكثيف للجيش في منطقة القرنة السوداء حيث وقع الاشكال، علما ان البحث عن مطلوبين لا يزال ناشطا في اكثر من منطقة».واضافت المصادر: «الموقوفون من الطرفين، وليس كما تم الترويج له من طرف شبان بشري فقط، ويستمر حاليا البحث عن المزيد ممن يعتقد ان لهم علاقة بالحادثة».وبحسب المعلومات، فقد تجاوز عدد الموقوفين من الطرفين الـ 19. وكتبت” النهار”: اعادت الجريمة وتداعياتها الحقائق المتصلة بالنزاع الى الواجهة. ففي كل موسم صيف، تحدث بعض الإشكالات والتجاوزات المرتبطة بموضوع المياه في القرنة السوداء بين أشخاص من بشري ورعاة ومزارعين من الضنية، ولا سيما من منطقة بقاعصفرين جرّاء التعدّي على مياه البرك التي تتشكل من ذوبان الثلج، والتي يقول أبناء بشري إنها تغذي المياه الجوفية في منطقتهم، فيما يرى أبناء الضنية في مياه هذه البرك شريان حياة لمزروعاتهم الصيفية في بقاعصفرين وجرد النجاص، وخزاناً طبيعياً لارتواء قطعانهم التي يرسلونها صيفاً إلى الجرود، ويستقدمون الجرافات والحفارات للحفر لمد “النباريش”، ويعتبرون أن هذه البرك تقع في نطاق الضنية العقاري. وسبب الاختلاف في النظرتين الجغرافيتين يعود إلى كون المساحة في الجرود الشمالية لم تُحسم هويّتها حتى الساعة، ولا تزال “تقريبية”.
 
والخلاف العقاري بين بشري وبقاعصفرين، أو الخلاف على المياه قديم جدّاً ومرّ بمراحل عدّة ومختلفة بين مفاوضات حيناً، ومشاحنات وسخونة أحياناً. وتطوّرت الأمور في كثير من المرّات إلى إطلاق نار واتهامات متبادلة. واتخذ النزاع على جغرافية القرنة في أحيان عدة طابعاً طائفياً حتى غدا كأنه تطييف لأعلى قمم لبنان، ولا سيما بعد أحداث الضنية و”فتح الإسلام” والحديث عن تدريبات لـ”داعش” في المنطقة المحاذية للقرنة من جهة الضنية.وتجنّباً لتطوّر الخلافات المستمرة فصولاً منذ سنوات، تشكلت لجنة قضائية عقارية من أجل مسح العقارات وتحديد حدود المشاعات بين بشري وبقاعصفرين، ولكن أحوال الدولة المهترئة في السنوات الأخيرة، والظروف الصعبة التي توالت مع انتشار كورونا وحصول الانهيار حالت دون توصُّل اللجنة إلى النتيجة المرجوّة، واستمرت المشاحنات ولكنها لم تصل إلى حدود القتل في السابق.