ما يحدث في لبنان يُبرز بوضوح أن لا انتخابات رئاسية في المدى المنظور وأن الفراغ في بعبدا قد يطول إلى ما بعد الصيف. فلا أسس محلية أو اقليمية يمكن البناء عليها واعتبارها ركائز قد تسهل عملية إنجاز الاستحقاق الرئاسي في أسرع وقت، نظراً لاهتمامات الخارج وأولوياته التي تتجاوز لبنان. ولذلك يبقى الحراك الفرنسي في إطار المساعي من دون أن يصل إلى صانع للحل الذي لا يمكن أن يبصر النور من دون ضوء أخضر أميركي. ومن هنا يعول البعض على المفاوضات الجارية بين واشنطن وطهران في سلطنة عمان، فأي اتفاق بين الطرفين سوف يشكل باكورة حل للكثير من الملفات العالقة في المنطقة ومنها لبنان ضمن سياسية التسويات الخارجية.
في خضم هذا المشهد واقتناع باريس أن إنهاء الأزمة في لبنان ليس بهذه السهولة، نظراً للتعقيدات التي تحكم حسابات القوى الداخلية والخارجية المؤثرة في هذا البلد، يبدو أن المبعوث الفرنسي جان ايف لودريان متحمس جداً لحوار بين القوى السياسية اللبنانية، وقد طرح ذلك خلال لقاءاته التي أجراها الشهر الماضي مع المكونات الاساسية.بالنسبة إلى لودريان لا مانع أن تستضيف أي دولة من “خماسية باريس” هذا الحوار سواء على مستوى الصف الأول أو الصف الثاني من أجل تشكيل قاعدة يمكن البناء عليها للحل، خاصة وأن استمرار الوضع على ما هو عليه من فراغ وتعطيل لعمل المؤسسات بفعل التوازنات القائمة وتركيبة مجلس النواب من شأنه أن يهدد النظام السياسي القائم.الأكيد أن مكونات سياسية عدة في البلد تطمح إلى تعديل في الدستور ويعتبر بعضها أن الوقت حان لإيجاد صيغة لنظام جديد في لبنان، مبررا ذلك أن النظام السياسي ليس مقدسا ويمكن تطويره أو تغييره، بالتوازي مع أراء تصب في خانة الدعوة إلى تغيير في النظام السياسي عبر اللجوء إلى نوع من الفيدرالية بين المناطق اللبنانية.عند كل دعوة إلى حوار من قبل دول خارجية، يستحضر فرقاء في الداخل رغبة البعض بالتقسيم والفيدرالية والسعي الدائم لانتزاع الصلاحيات من “السنّة”، الذين يواجهون تحديات تتعلق بحضورهم ووجودهم في لبنان من ناحية، وبدورهم في النظام السياسي من ناحية ثانية. كان لافتاً أمس البيان الذي أصدره النائب ايهاب مطر والذي حاول تسليط الضوء على ما يقال عن سعي فرنسا لعقد مؤتمر بمساع دولية واسعة بهدف تعديل النظام اللبناني، حيث شدد على أن الحوار يجب أن يكون من دون شروط مسبقة، وأن ينحصر برئاسة الجمهورية، كما أن أي حوار يفتح نافذة لمناقشة أي نظام جديد للبلاد هو ضرب لاتفاق الطائف الذي لم تطبق كامل بنوده.وفق مصادر مطلعة لـ”لبنان24″ فإن هناك هواجس تشغل بال السنّة في لبنان، لا سيما وأنهم يعتبرون أن هناك استهدافا لدورهم لا سيما في ماخص صلاحيات رئيس مجلس الوزراء فضلا عن تمادي البعض في التدخل في تشكيل الحكومات إلى حد التعطيل.ومع ذلك تتريث بعض الشخصيات السنيّة في الحكم على ما يطرح من أفكار لا سيما وأن باريس لم تعلن ذلك رسميا وأن هناك الكثير من التأويلات والتسريبات التي قد لا تكون بمعظمها صحيحة. وتذكر هذه الشخصيات بأن الاجتماع الفرنسي – السعودي- الأميركي في نيويورك خلص إلى تأكيد ضرورة وأهمية التزام القوى السياسية في لبنان باتفاق الطائف. وترى هذه الشخصيات أسوة بمكونات طائفية أخرى أن البديل عن الطائف قد يكون تفكيكا لصيغة العيش المشترك القائمة اليوم واستبدالها بتقسيم مقنع.وعليه، تشدد مصادر مطلعة على الموقف الفرنسي لـ”لبنان 24” على أن طرح تعديل أو تغيير اتفاق الطائف غير مطروح فرنسياً، وان باريس على تنسيق وتعاون مع السعودية لترتيب الوضع في لبنان وكذلك الأمر بالنسبة إلى اتصالاتها مع ايران من أجل خروج لبنان من أزمته، ولذلك فإن أي حوار فرنسي لن يمس بالميثاق الوطني، خصوصا وان الملف الرئاسي وتعقيداته ثبت أن كل المكونات تقاربه من زاوية الضمانات التي يمكن ان تحصل عليها سواء لجهة أن يكون الرئيس ضمانة لها أو أن تحصل في المقابل على ضمانات لحماية دوره في المؤسسات وخارجها.