قالت :نداء الوطن”: «ربّ ضارة نافعة»، إذ رغم كثرة السلبيّات التي أفرزتها الأزمة الإقتصادية وجائحة كورونا على الواقع اللبناني في مدى 3 سنوات، إلَّا أنّ قطاعاً إستفاد من هذه السلبيات ليزدهر وينتشر بصورة مضطردة ويفرض نفسه عاملاً جاذباً رئيسياً لوجهة اللبنانيين السياحية.
لقد فرضت القيود إبان جائحة كورونا معطوفة على الأزمة الإقتصادية على شريحة من اللبنانيين أن يبحثوا عن سياحة تُخرجهم من الملل والضغط الناتج عن بقائهم لأيام طويلة داخل المنزل.وبعدما كان اللبنانيون من بين شعوب العالم المحبة للسياحة الخارجية يعود قسم منهم اليوم إلى سلوك مغاير، وربما هو السلوك الذي كان من المُفترض أن تشجعهم عليه السياسة السياحية في لبنان، ولكن للأسف الدولة اللبنانية وعلى مدى عقود طويلة لم تهتم كفاية بإزدهار السياحة الداخلية وتشجيعها.تغيير جذرييكشف مدير مكتب Silk Road للسياحة والسفر حسن الميس، في حديثٍ لصحيفة «نداء الوطن» عن «تغيير جذري في المفهوم السياحي، حيث كانت قبلة أغلبية العائلات الميسورة الدول المجاورة الإقليمية والأوروبية، أمّا اليوم فأصبحت وجهتهم داخلية بإمتياز، حيث نشطت السياحة الداخلية بشكل لافت لا سيّما مع إنتشار ظاهرة بيوت الضيافة اللبنانية على مساحة الوطن».إزدياد باضطرادفي هذا السياق، تفيد مصادر وزارة السياحة بأنّ «بيوت الضيافة السياحية تنتشر اليوم بكثرة حيث كان عددها خلال العام السابق حوالى 150، أما اليوم فأصبح يُقارب الـ 200، وهي منتشرة في أغلبية المناطق اللبنانية إلّا أنها أكثر انتشاراً في محافظة جبل لبنان ومحمية أرز الشوف وجبيل والبترون شمالاً، ومدينة صور جنوباً».وتشير مصادر الوزارة لـ»نداء الوطن»، إلى أنّ «أبرز الأسباب الرئيسية لإنتشار هذه الظاهرة هي إرتفاع تكلفة السفر إلى الخارج، إضافة إلى أن انتشار هذه البيوت في المناطق الجبلية من شأنه تشجيع الزائرين على رياضة المشي لا سيّما بعد ما عانوه جراء جائحة كورونا والسجن القسري داخل المنازل». وإزدهار هذا القطاع، أدّى «إلى تأسيس نقابة خاصة بأصحاب هذه البيوت»، وفق ما تشير المصادر.من غرفة الى 10ومن الشروط الخاصة التي حددتها الوزارة لبيوت الضيافة، أن يتألف «البيت» من غرفة واحدة حتى 10 غرف، ويقدم أصحابها مستندات رسمية ومعلومات عن فريق العمل فيها، وأن توفر للنزلاء الجو التراثي اللبناني، وأن تنشر الثقافة والعادات الإجتماعية اللبنانية، والمأكولات اللبنانية.وهنا تتحدث المصادر عن «أهمية هذه الظاهرة والتي تساهم إلى حد كبير في تعريف اللبنانيين على المناطق التي يجهلها الكثير منهم، حيث لا تقتصر هذه السياحة على اللبنانيين المقيمين بل على المغتربين الذين يقومون بحجز هذه البيوت قبل المجيء إلى لبنان»، وتكشف المصادر عن «تواصل الوزارة مع كافة البلديات في المناطق اللبنانيّة، للإستعلام عن بيوت ضيافة لم يتمّ الترخيص لها».إيجابيات الظاهرةويتحدَّث الأمين العام لإتحاد النقابات السياحية جان بيروتي لـ»نداء الوطن»، عن إيجابيات هذه الظاهرة، حيث يعتبر أنها «ساهمت بتعريف اللبنانيين إلى المناطق التي كانوا يجهلونها ضمن حدود بلدهم، كما أنها خلقت فرص عمل في المناطق الريفية وعززت من الإستثمار في الداخل»، ويؤكد على أن «التعويل اليوم كبير جداً على هذه السياحة الداخلية، فهي تساهم في تنشيط الإقتصاد».إلى الخارج: تركيا أولاًلكن هل إزدهار السياحة الداخلية شكل عائقاً أمام السياحة الخارجية؟ يشير الميس إلى أنّ «الحجوزات السياحية إلى الخارج لا زالت قائمة، ووجهتها الأكثر رواجاً هي تركيا بمختلف مناطقها ومصر وبعض الدول الأوروبية، إلّا أن هذه الحجوزات تراجعت إلى حدّ كبير».وهذا ما يؤكده المدير العام لشركة «نخال» للسفريات إيلي نخال، ويقول لـ»نداء الوطن»: «صحيح أن السياحة إلى الخارج نشطت في الآونة الأخيرة، والوجهة الأكثر طلباً هي تركيا ومن ثم مصر ومن بعدهما الدول الأوروبية، لكنها لا زالت بعيدة جداً عن الحركة التي كانت قبل الأزمة».نظرة متفائلة أكثرلكن لدى نقيب أصحاب مكاتب السفر والسياحة جان عبود، نظرة متفائلة أكثر من غيره، ويصف واقع القطاع بالجيد، حيث يشير خلال حديثٍ مع «نداء الوطن» إلى أن «القطاع يعاود النمو وبدأ يلامس ما كان عليه عام 2019، حتى أن السياحة الخارجية عليها طلب بنسبة 70 بالمئة مما كانت عليه عام 2018». ويعطي في هذا الإطار مثالاً عن «نسبة بيع التذاكر في بيروت، حيث كانت نسبة المبيع عام 2019 بحدود الـ 60 مليون دولار في الشهر، أما اليوم فهي تقارب الـ 45 مليون دولار».التعافي التام منتصف الـ 2024ويذكر أنه «إبّان أزمة كورونا تأثرت قطاعات وأسواق أخرى لكنها لم تتعاف بسرعة، على عكس قطاع السياحة الخارجية الذي بدأ يتعافى بسرعة، فهناك أسواق هي بحاجة لأن تعود كما كانت في سابق عهدها أي قبل عام 2019 قبل الوصول إلى العام 2025، متوقعاً هذا بالحد الأقصى، وربما في منتصف عام 2024 نتعافى تماماً». (نداء الوطن)