الغجر المحتلة في مهب المواجهة: شمالها لبناني اقتطعته إسرائيل

7 يوليو 2023
الغجر المحتلة في مهب المواجهة: شمالها لبناني اقتطعته إسرائيل


كتب ابراهيم حيدر في” النهار”، التطور الأبرز الذي حدث في بلدة الغجر أخيراً، بعد إنشاء إسرائيل سياج شائك والبدء ببناء جدار إسمنتي حول البلدة مقتطعة الجزء الشمالي اللبناني منها، ينذر باحتمالات تصعيد يغطي على توتر الخيمتين الأخير في المزارع، وإن كانت قرية الغجر قد أخضعتها إسرائيل لإدارتها منذ سنوات وفصلت جزءها الشمالي عن السيادة اللبنانية خارج سيطرة قوات “اليونيفل”.

من الآن وصاعداً لا يمكن تقدير احتمالات مستقبل الجزء اللبناني من الغجر المحتلة، والواقعة على أطراف هضبة الجولان السورية وبالقرب من قرية الوزاني في الطرف الشمالي الشرقي للحدود مع فلسطين، إذ أن إجراءات اسرائيل في الغجر، ليست جديدة، فهي بدأت في عام 2006، بعد إعادة احتلالها لأجزاء من المنطقة الحدودية، ثم انسحابها من كل المناطق باستثناء الغجر. وذلك على الرغم من اعترافها منذ انسحابها من لبنان عام 2000، أن الطرف الشمالي هو أرض لبنانية، وثبتته الأمم المتحدة ضمن الخط الأزرق.تبدو قضية الغجر أكثر تعقيداً، إذ أن الذين يسكنونها سوريون، في طرفيها، الجنوبي الذي يتبع لسوريا وتحتله اسرائيل، والشمالي الذي استحدث بالتوسع أثناء احتلال اسرائيل للمنطقة الحدودية في 1978. وإذ تعود قضيتها الى الواجهة، فلأنها أرض لبنانية، علماً أن المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر في 17 تشرين الثاني 2010 كان قرر سحب قواته من الجزء الشمالي للقرية، مشترطاً ان تكون المنطقة في عهدة اليونيفيل، إضافة الى اعتراف دولي بتطبيقه القرار الدولي الرقم 1701. لكنه اعتبر آنذاك مناورة لا تعيد القرية الى السيادة اللبنانية، كما ان هذا الانسحاب لا يكتمل من دون خروج الجيش الاسرائيلي من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، وذلك بسبب تشابك المنطقة على الحدود، وكلها اليوم تحت الاحتلال.تبقى قضية قرية الغجر المحتلة، حاضرة بفعل موقعها الجغرافي، وكونها تتداخل بالأراضي اللبنانية، باعتبار ان الغجر المحتلة هي سورية في الأساس، وسعت لتشمل أراضٍ لبنانية سيطرت عليها اسرائيل.في ملف الغجر، رفض لبنان عام 2009 اقتراحاً يقضي بوضع الشق اللبناني المحتل من القرية في عهدة (اليونيفيل) بعد انسحاب اسرائيل منها، مصراً على وضعها تحت السيادة اللبنانية من خلال انتشار الجيش فيها، ودعّم لبنان موقفه بوثائق ترسيم الخط الأزرق ما بين لبنان وإسرائيل والتي تشير الى ان قسماً من الغجر لبناني وينبغي استرداده. لذا تبقى هذه القضية عالقة، وتشكل مصدر توتر مستمر، وهي المنطقة الوحيدة التي لا تزال محتلة مع مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، وتشكل خرقا للقرار 1701. ويشار في هذا الصدد إلى أن إسرائيل اقترحت سابقاً إخلاء الجزء الشمالي وتدمير مبانيه، أو تقسيم القرية بين شطرين لبناني وسوري، وتخيير سكان الغجر بين البقاء أو الانتقال للعيش في كنف السلطة اللبنانية، وهو ما رفضه السكان، إلى أن بدأت إسرائيل ببناء جدار حول الجزء الشمالي اللبناني للقرية.احتلت إسرائيل قرية الغجر مع احتلالها هضبة الجولان السورية المتاخمة عام 1967، ولم تكن القرية ممتدة في اتجاه الشمال اللبناني. وبموجب الخط الأزرق للحدود اللبنانية أصبح شمال الغجر جزءاً من لبنان، ما ترك الجزء الجنوبي تحت سيطرة إسرائيل. وأخلت إسرائيل شمال الغجر عام 2000 عندما أنهت احتلالها للجنوب الذي استمر 22 عاماً، لكن لبنان لم يستعد سيادته إلا على تخوم القرية، قبل ان تعاود احتلالها مرة أخرى خلال حرب تموز 2006، ولم تنسحب منها.وحتى حزيران 1967 كانت القرية تخضع للإدارة السورية، وإن كانت مشكلتها أكثر تعقيداً منذ تحديد الحدود اللبنانية – الفلسطينية – السورية عام 1923، وفي اتفاق الهدنة عام 1949، إذ تارة كانت تعتبر لبنانية وتارة سورية وثالثة مشتركة، الى أن حُسمت سوريتها نهاية خمسينات القرن الماضي. ويقال إنه عندما احتلت إسرائيل منطقة الجولان من سوريا عام 1967، لم تدخل اولاً الى قرية الغجر لاعتبارها لبنانية، رغم أن لبنان لم يكن يمارس سيادته عليها.وحين احتلت اسرائيل المنطقة الحدودية من لبنان عام 1978، توسعت الغجر شمالاً داخل الأراضي اللبنانية. ومنحت اسرائيل سكان الغجر الجنسية الإسرائيلية عام 1981، بعدما قرر الكنيست الإسرائيلي من خلال “قانون الجولان” ضّم الهضبة الى “إسرائيل”.وبعدما انسحبت اسرائيل من الجنوب في 2000، شمل الخط الأزرق الجزء الشمالي من الغجر، فاضطرت اسرائيل الى إخلائه من دون ان يدخله الجيش اللبناني الذي لم يكن قد انتشر بعد في الجنوب، ولذلك فإن الانسحاب الاسرائيلي من شمال الغجر، لا يرتبط بالقرار 1701 فحسب، انما يتعلق بالقرار 425 أيضاً، والانسحاب يعيد الوضع الى ما كان عليه قبل عام 2006، وهي المنطقة الوحيدة التي لم ينسحب منها بعد عدوان تموز.تطرح مسالة الغجر تساؤلات كثيرة حول طريقة تعامل الدولة اللبنانية معها، وأيضاً موقف “حزب الله” منها، إذ كانت تبقى دائماً خارج دائرة المواجهة، وكأنه يربطها بحسابات مزارع شبعا وتلال كفرشوبا. ويبدو أن مشكلة السوريين الذين يعيشون في الجزء الشمالي للغجر ويحملون الجنسية الاسرائيلية تشكل عائقاً أمام استعادتها. وعلى رغم عودتها الى الواجهة، لا يطرح ملفها احتمالات تصعيد وخرق قواعد الاشتباك. فقرية الغجر لبنانية، باعتراف الجميع، أما ممارسة السيادة عليها، فيرتبط بما يحدث في سوريا؟.