هذه هي خطيئة نجيب ميقاتي

7 يوليو 2023
هذه هي خطيئة نجيب ميقاتي


أسهل شيء يمكن أن يقدم عليه الرئيس نجيب ميقاتي هو ملازمة منزله… “وفخار يكسّر بعضو”. فالتهرّب من المسؤولية من أبسط الأمور وأكثرها سهولة. فهذا الأمر لا يحتاج إلى جهد ومتابعة التفاصيل حتى العشق وسهر الليالي الطويلة، مع ما في كل ذلك من وجع للرأس. فالآخرون، جميع الآخرين لا يفعلون شيئًا. يتهرّبون من أهم مسؤولية ملقاة على عاتقهم، وهي انتخاب رئيس للجمهورية، وقد اقتربت البلاد إلى الشهر التاسع من الحمل الفراغي من دون أن يلوح في الأفق ما يوحي بولادة قريبة. الجميع يتهرّبون مما يفرضه عليهم الدستور. فلا يريدون أن ينتخبوا رئيسًا، ولا يريدون أن يقوم أحد بما يمليه عليه واجبه الوطني، ويرفضون أن يسيّر “هذا الأحد”، الذي شمرّ عن ساعديه وقرّر عدم الاستسلام وترك البلاد لمرض الفراغ يفتك بها طولًا وعرضًا. 

Advertisement

فهؤلاء السياسيون بكل أحزابهم لا يريدون أن يعملوا ولا يتركون غيرهم يعمل. بل أكثر من ذلك لا يتركون فرصة إلاّ ويوجهّون الانتقادات لرئيس الحكومة على ما يقوم به من واجب وطني لن يتخّلى عن القيام به حتى ولو قامت قيامة هؤلاء، لأنه مقتنع بأن إضاءة شمعة أفضل ألف مرّة من الاكتفاء بلعن الظلام، ولأنه مؤمن بأن ليل لبنان لن يطول، وأن الفجر لا بدّ آت، وأن شمس الأمل ستشرق من جديد، وأن كل كلام باطل لا بدّ زائل، وانه لن يصح في النهاية إلاّ الصحيح، وأن هؤلاء السياسيين سيكتشفون في يوم من الأيام، وإن طال الزمن، بأنهم كانوا على خطأ، وبأنهم تجنّوا على الرجل، وحمّلوه أكثر مما يمكن أن يحمله انسان في هذه الظروف الخطيرة والدقيقة والصعبة. 
ما حاول الرئيس ميقاتي القيام به عندما رأى أن الجميع يتهرّبون من تحمّل المسؤولية هو أنه قرر عدم ترك الساحة للفراغ الكامل والشامل. قرّر أن يسدّ بعضًا من هذا الفراغ القاتل، الذي يتحمّل مسؤوليته وتبعاته جميع الذين يتوافقون، بالتكافل والتضامن، على عدم انتخاب رئيس للجمهورية، مع ما يعنيه هذا الانتخاب من أهمية على صعيد وحدة البلاد، وهو دورّ كرّسه الدستور فقط لهذا الرئيس دون سائر الرؤساء، عندما قال عنه إنه رمز وحدة الوطن. 
فالرئيس ميقاتي يعرف أكثر من غيره أن حدود السلطات المعطاة لحكومة تصريف الأعمال هي حدود الحدّ الأدنى، وهو عندما يعقد الاجتماعات المتتالية والمتوالية في السراي الحكومي مع جميع الوزراء، وعندما يعقد جلسات للحكومة عند الضرورة القصوى، إنما يقوم بما يمليه عليه ضميره الإنساني تجاه مواطنين “محروق سلاّفن”، “يأكلهم” اليأس، وتفتك بهم “القلة”، التي تولّد النقار، وهذا ما حصل في “القرنة السوداء”، وهذا ما يمكن أن يحصل في أي قرنة من قراني لبنان السوداء، بعدما أصبحت كل أيام اللبنانيين سوداء كالفحم. 
جلّ ما حاول الرجل القيام به هو التخفيف قدر الإمكان عن كاهل المواطن، الذي يعاني الأمرّين، ووفق ما تسمح به الإمكانات القليلة المتاحة أمامه بعدما تركت الأزمة الاقتصادية والمالية بصمات كبيرة على خزينة الدولة. فالإمكانات المحدودة لدى مؤسسات الدولة لا تسمح أساسًا إلاّ بتسيير شؤون الناس وفق ما يفرضه الدستور على حكومة تصريف الأعمال، التي لن تستطيع أن تفعل أكثر مما تفعله حتى لا ينهار الهيكل بالكامل على رؤوس ساكنيه. 
الحلّ الوحيد، وهذا ما انفك يطالب به الرئيس ميقاتي منذ اليوم الأول الذي ألقيت على عاتقه وحده مسؤولية انقاذ ما يمكن إنقاذه، هو بانتخاب رئيس للجمهورية، وتأليف حكومة في أسرع وقت، للانصراف فورًا ومن دون المزيد من تضييع الوقت إلى إقرار خطة متكاملة للتعافي والنهوض الاقتصادي. أمّا أي كلام آخر فهو كلام “فاضي”، يساهم في التهديم والتهشيم، ويعرقل بدًلًا من أن يساعد على الحلحلة، ولو جزئيًا ومرحليًا. 
فهل تكون خطيئة نجيب ميقاتي أنه شمرّ عن ساعديه وقرّر أن يعمل وفق ما تسمح به الظروف والدستور فيما تهرّب الآخرون من تقديم حتى كوب ماء لناسهم وناخبيهم.