حزب الله حسم أمره.. هكذا سيتحرَّك بشأن مصير حاكمية مصرف لبنان

10 يوليو 2023
حزب الله حسم أمره.. هكذا سيتحرَّك بشأن مصير حاكمية مصرف لبنان


حسم رئيس الحكومة نجيب ميقاتي توجّهه بشأن ملف حاكميّة مصرف لبنان، فأكّد أنه لن يُعين حاكماً جديداً لـ”المركزي”، كما أنهُ لن يُمدّد للحاكم الحالي رياض سلامة الذي ستنتهي ولايتهُ يوم 31 تموز الجاري. 

“الحسم” الذي أكده ميقاتي يرتبطُ حُكماً بالسياق القانونيّ أولاً، ما يعني الإحتكام في ملف الحاكمية إلى ما ينصُّ عليه قانون النقد والتسليف الذي يشير إلى أنّ نائب الحاكم الأول وسيم منصوري هو الذي يجب أن يتولى مهام إدارة “المركزي” بالوكالة بعد إنتهاء ولاية سلامة. إلا أنه في المقابل، فإنّ كلام رئيس الحكومة يأتي وسطَ تقاذف القوى السياسيّة جُملة من الطروحات المُرتبطة بمصير مصرف لبنان بعد خروج الحاكم الحالي منه، وفعلياً الهوامش باتت ضيقة جداً لاسيما أن نواب نواب الحاكم الـ4 قد ينفذون تهديدهم بالإستقالة خلال وقتٍ قريب في حال لم تجرِ تلبية مطلبهم المتمثل بتعيين حاكمٍ جديد. 
 
ماذا عن “حزب الله”؟ 
الموقف الميقاتي من ملف الحاكميَّة لا يتعارض مع موقف “حزب الله” من جهة ولا مع كافة الأطراف السياسية المسيحية من جهة أخرى. حتماً، البعض لا يريدُ التمديد لسلامة أو تعيين خلف له بأي شكلٍ كان، فيما البعض الآخر لا يعارض اختيار حكومة تصريف الأعمال لحاكمٍ جديد تحت مقولة “الضرورات تُبيح المحظورات”. هنا، قد يكون رئيس مجلس النواب نبيه برّي مؤيداً لفكرة التعيين تجنّباً للفراغ، لكنه سيصطدم بموقف “حزب الله” الذي أعلنه الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله في أيار الماضي حينما قال: “لا تعيين ولا تمديد لحاكم مصرف لبنان، وحكومة تصريف الأعمال لا تُعيّن ولا تُمدّد”. 
عملياً، فإن الكلام الذي أدلى به نصرالله في أيّار الماضي ما زال ثابتاً حتى هذه اللحظة حتى وإن اختلفت الأمور وبات الشغور على صعيد الحاكمية أقرب بكثير. حينها، كان الحزب يضغطُ باتجاه الوصول إلى حلٍّ آخر خلال المدة الماضية، لكنَّ ذلك لم يحصل. وعليه، وأمام هذا الواقع القائم، من الممكن أن يدرس الحزب مقاربته المرتبطة بالحاكميّة، ولكن السؤال الأبرز يبقى التالي: هل سيُغير موقفه تحت الضغط؟ وما هو دور رئيس مجلس النواب نبيه بري في هذا الإطار؟  
بشكلٍ أو بآخر، يجدُ “حزب الله” نفسهُ ملزماً بالسير باتجاه خياراتٍ لا تتعارض مع موقفه السابق بشأن حاكميّة “المركزي”، لكنه في الوقت نفسه لن يقبل بحصول “شغور” والوسيلة المرتبطة بهذا الأمر قائمة في الوقت الراهن وقابلة للتحقّق. وحالياً، فإنّ أقرب سيناريو قد يؤيّدهُ “حزب الله” هو الركون لقانون النقد والتسليف وتطبيقه حرفياً، إذ ينص على أن نائب الحاكم الأول هو الذي يتولى مهام الحاكمية في حال نهاية ولاية الحاكم الأصيل.  
وحتى الآن، لم يظهر أنّ بري اتفق مع حسم قراره مع “حزب الله” بشأن ملف الحاكمية، وبحسب المعلومات فإنّ البحث ما زال مستمراً وقائماً للسبل التي يمكن اعتمادها تجنباً للفراغ أولاً وإبتعاداً عن إستفزاز الآخرين ثانياً.  
ووسط ذلك، طُرح حلٌّ يقول بإنه يمكن إستقالة نواب الحاكم الـ4 وبعدها يعمل وزير المالية يوسف خليل على تفويض النواب المستقيلين بمن فيهم الحاكم الحالي رياض سلامة لتسيير شؤون مصرف لبنان لمدة يجري تحديدها مسبقاً. 
الطرح المذكور بتفويض النواب الـ4 مع حاكم “المركزي” يُحكى بشكل علني منذ أيامٍ قليلة، لكن ظروفه غير محسومة ولم يجرِ تبنيه بعد من أي طرفٍ خصوصاً “الثنائي الشيعي”. كذلك، فإنَّ التعليق القانوني على هذا الأمر ما زال غير واضحٍ بتاتاً، لاسيما أن هناك تساؤلات تُطرح حول مدى قدرة مصرف لبنان على العمل وسط “تصريف أعمال”، علماً أنّ مبدأ “تسيير المرفق العام” ينطبق على “المركزي” تفصيلاً ومضموناً. 
مصادر مقرّبة من “الثنائي الشيعي” قالت لـ”لبنان24″ إنّ الحزب ما زال جدياً في طرحه الرافض لأي تعيين أو تمديد لسلامة، مشيرةً إلى أنّ تفويض سلامة ونوابه بتسيير أعمال مصرف لبنان يعني “تمديداً مقنعاً” للحاكم الحالي، وهذا الأمر لن يقبل “حزب الله” به لا من قريب أو من بعيد. 
وللإشارة هنا، فإنَّ ميقاتي جزم، أمس، أنّ “تكليف سلامة بتسيير أمور مصرف لبنان إلى حين تعيين من يخلفه بمرسوم يصدر عن مجلس الوزراء ليس مدرجاً على جدول أعماله”، وأضاف: “في حال إستقالة نواب الحاكم الـ4، فإنّ وزير المال يوسف خليل سيطلب منهم الاستمرار في تسيير المرفق العام”. 
ولكن مع هذا، فإنّ هذا السيناريو “غير المحسوم” بكل جوانبه والذي يتمّ الحديث عنه، يُعفي “حزب الله” وبري من مغبة تحمُّل مسؤولية الحاكمية من خلال تفويض مهامها لنائب الحاكم الأول وسيم منصوري الذي ينتمي إلى الطائفة الشيعية. وبالنظر إلى عُمق الأمور، فإنّ بري يُفضّل التعيين بدلاً من تولي منصوري مهام سلامة، والسبب هو أنَّ الرهان لدى رئيس البرلمان يقضي أولاً بتحصين أبرز موقع للمسحيين بعد رئاسة الجمهورية، أي حاكمية مصرف لبنان، وثانياً عدم دخولِ “الثنائي” على خطّها بتاتاً.  
كذلك، فإن “الثنائي الشيعي” يسعى لتجنُّب أي “أثقالٍ مالية” في حال إنخراط منصوري ضمن مهام الحاكمية، خصوصاً أن هناك مخاوف من عرقلة مهام الأخير كونه يمثل “الثنائي”، وبالتالي إنفلات الوضع المالي أكثر. عندئذٍ، سيكون الحزب وحركة “أمل” قد تورّطا في لعبة ماليّة كبرى من خلال حاكمية المصرف المركزي، ولهذا يُنظر إلى الحل المذكور أعلاه بمثابة “أبغض الحلال” لتجنّب “الكأس المُر”. بالإضافة إلى ذلك، فإن الحديث عن تمديد مباشر أو غير لسلامة سيعني إستفزازاً لجميع المكونات المسيحية، وهذا الأمر لا يريده “حزب الله” ولا برّي أبداً.  
وبالعودة إلى “حزب الله”، فإنَّ عدم رغبته في السير نحو تعيين حاكم جديد للمصرف المركزي عبر الحكومة الحالية قد يكون أيضاً في إطار مُغازلة لـ”التيار الوطني الحر” الذي يرفضُ بتاتاً حصول ذاك الأمر، ويقترحُ تعيين حارس قضائي للمؤسسة النقدية. هنا، فإن الحزب لن يُبدل موقفه ويذهب نحو التعيين، لأن الحرب ستشتعلُ حُكماً بينه وبين “التيار”. وبالنسبة للأخير، فإنّ خروج سلامة من “أصالة” الحاكمية هو الأمر المطلوب، لكن يبقى السؤال: كيف سيكون موقفه من “تصريف الأعمال” داخل المصرف المركزي؟ هل سيؤيد هذا الطرح؟ السيناريوهات كلها مطروحة على طاولة البحث وتنتظرُ الحسم.