كتبت سابين عويس في” النهار”: مضت الأشهر ثقيلة في الأوساط المترقبة لما سيؤول إليه هذا ملف حاكمية مصرف لبنان من باب رصد مصير الحاكم رياض سلامة في ظل الدعاوى في حقه، التي قضت على خيار عمل على تسويقه بعض أصدقائه في الحكم ويرمي الى تمديد ولايته، غير آخذين في الاعتبار أن حسابات الحزب في مكان آخر وتهدف الى التخلص من سلامة وتسليم نائبه الأول وسيم منصوري صلاحيات الحاكم.
في هذا الوقت، كان منصوري يقدّم أوراق اعتماده كمرجع صالح لتولي المسؤولية. وأسهمت زيارته الأخيرة لواشنطن ولقاءاته هناك في انتزاع عدم ممانعة أميركي على شخصه.
كيف تم ذلك وما الذي دفع الاميركيين الى التسليم بمنصوري وعدم الدفع نحو تعيين حاكم جديد؟مصادر سياسية مواكبة قالت إن معطيين أساسيين تحكّما بالموقف الأميركي: فقد لمست واشنطن حجم الخلافات القائمة حيال الاتفاق على اسم حاكم جديد يلزم الحكومة بالانعقاد لإجراء التعيين، ما يعني أن الأمور تسير نحو تسلم نائب الحاكم منعاً للشغور في رأس السلطة النقدية. وقد رأت واشنطن صعوبة في الوقوف في وجه ما ينص عليه القانون، بما أنه لا إجماع داخلياً على السير بالتعيين رغم الضغط الذي مارسته، ولم تصل به الى نتيجة.أما المعطى الثاني فيتمثل في أن أولوية واشنطن تكمن في الضمانات التي سيقدمها أي مرشح لهذا المنصب حيال السياسة النقدية التي سينتهجها وموقع الحزب وتمويله. وعدم ممانعتها بتسلم منصوري، يعني أن الرجل قدّم الضمانات المطلوبة وربما أكثر.لا يخوض الاميركيون معركة من أجل أي مرشح ما دام لا يحظى بالدعم الداخلي، كما حصل بالنسبة الى ترشيح أبو سليمان، الذي تبنّته القوات اللبنانية ولكنها لم تذهب به الى النهاية، خشية منها أن تقع ضحيّة فخ يُنصب لها على طاولة مجلس الوزراء، وهي غير ممثلة في الحكومة، بحيث يُطرح الاسم ويتم تعيين آخر!أمام هذا المشهد، آثرت واشنطن عدم فرض مرشح، ولكن على قاعدة وضع فيتو على أيّ مرشح لا يحظى بمباركتها.وأمام الاختلاف المسيحي على التوافق على شخصية والضغط من أجل تعيينها، انتهى الأمر بالتسليم بمنصوري حاكماً.أما تهديد نواب الحاكم بالاستقالة الذي لا يزال يتردّد صداه وسط معلومات تفيد بأنهم سيعمدون الى الاستقالة فعلاً، ليصار الى تكليفهم الاستمرار في مهامهم، فهذا يعني أن البلاد ستدخل مع بداية آب المقبل مرحلة ساخنة جداً مالياً ونقدياً، تهدد الاستقرار الهش القائم حالياً على إجراءات ترقيعية من المستبعد أن تصمد طويلاً، ولا سيما إن كان قرار الاستقالة يهدف كما بات واضحاً الى التنصّل من مسؤولية كرة النار المقدّر لها أن تنفجر في آب!