كتبت دوللي بشعلاني في” الديار”: يقول السفير الدكتور بسّام النعماني المتابع لقضايا الحدود البريّة والبحرية لـ “الديار”، إنّه بالنسبة إلى الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة، فإن “التثبيت” كان علامة الموقف اللبناني الفارقة بعد انسحاب القوّات “الإسرائيلية” من المنطقة الجنوبية في العام 2000، وعودة إنسحابها بعد حرب تموز 2006. فـ “إسرائيل” كانت تريد فتح مفاوضات لإعادة “ترسيم” الحدود البريّة الجنوبية وإجراء تعديلات عليها لصالحها، وتخطيط هذه الحدود على خرائط مستحدثة. أمّا لبنان فقد رفض “الترسيم”، وأصرّ على “تثبيت” الحدود بموجب الخرائط المرفقة بالإتفاقية الحدودية المعقودة بين بريطانيا وفرنسا في 1923 (المعروفة بإتفاقية “بوليه- نيوكومب”) وخط الهدنة في العام 1949 ، التي أبرزها الدكتور عصام خليفة مرّات عدّة. وكان المطلوب لبنانياً وقتذاك مطابقة خريطة “بوليه-نيوكومب” على الخرائط الحديثة المتوافرة. والإتفاقية كان قد سبق تسجيلها في عصبة الأمم في العام 1923، فأصبحت بالتالي إتفاقية دولية معترف بها وقابلة للتنفيذ.
ومن ثمّ كان للبنان في العامين 2000 و2006 “تثبيت” الحدود كما أراد، على ما أضاف النعماني، من دون الدخول في مفاوضات لا طائلة منها مع العدو الإسرائيلي. ولم يحصل وقتها “إعادة الترسيم” التي أرادته “إسرائيل”.
أما مسألة الحدود بين لبنان وسوريا، فقضيتها تختلف تماماً عن مسألة الحدود الجنوبية مع فلسطين المحتلّة. فهي تحتاج، على ما أوضح النعماني، من الناحية التقنية إلى عمليتين منفصلتين: أي “الترسيم” و”التحديد”…وليس “التثبيت”، إذ لا توجد خرائط “موحّدة” معترف بها بين لبنان وسوريا. فالحدود الشرقية والشمالية للبنان والتي تنطلق من محيط نبع بانياس إلى الجديدة في أقصى الشمال، هي من صنع ضبّاط وخبراء المساحة التابعين لجيش الشرق الفرنسي. وهؤلاء الضبّاط كانوا يأخذون تعليماتهم في النهاية من الحكومة الفرنسية في باريس. وهم لم يكونوا بحاجة إلى التفاوض مع السلطات المحلية في بيروت ودمشق. وممّا لا شك فيه بأنّ جيش الشرق الفرنسي قد استعان عند المسح الخرائطي في تلك الفترة بالقوى المحلية والعسكرية (أي مخاتير البلدات والسرايا اللبنانية والسورية المرتبطة بالجيش الفرنسي).
وقد كان من الواجب على الفرنسيين بعد الإنتهاء من عملية ترسيم الحدود السورية-اللبنانية على الخرائط الورقية في أوائل الثلاثينات، على ما تابع النعماني، أن يحيلوها إلى عصبة الأمم (مثلما فعلوا مع اتفاقية “بوليه-نيوكومب”)، خصوصاً وأنّ تسليم هذه الخرائط كانت إحدى موجبات النظام الأساسي للإنتداب الفرنسي المسجّل لدى عصبة الأمم في العام 1924. لكن فرنسا لم تسلّم خرائطها المتعلقة بالحدود بين لبنان وسوريا إلى العصبة، بل إن الخرائط الفرنسية للحدود اللبنانية – السورية كانت في الأصل عرضة للتبديل والتغيير بمرور الزمن. وهذا يعني أنّها لم تكن حاسمة ونهائية (على سبيل المثال الخرائط العسكرية الفرنسية الصادرة في الأعوام 1941، و1942، و1946، مقياس 1: 50،000 تضع بلدة الغجر بأكملها داخل الأراضي اللبنانية).
وعن أسباب عدم قيام فرنسا بتسليم خرائط ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا إلى عصبة الأمم آنذاك، يجيب النعماني بأنّ الأسباب كثيرة ومتشعّبة، ومنها المقاومة الوطنية من قبل اللبنانيين والسوريين للإنتداب، ما أوجد حالات طويلة من إنعدام الأمن الوطني (الثورة السورية الكبرى في العام 1926 على سبيل المثال). وكذلك عدم إستقرار رأي الفرنسيين أنفسهم حول التقسيمات والدول التي سيتألف منها لبنان وسوريا (مثلاً هل يتم تقسيم سوريا إلى 5 دويلات: دمشق، وجبل الدروز، وحلب، وحمص، وبلاد العلويين؟ هل يتم تسليم لواء الإسكندرونة إلى تركيا؟ هل تقتطع بعض الأقضية اللبنانية؟….إلخ). ثم أن فرنسا لم تر نفسها على الصعيد المعنوي مُلزمة بتسليم الخرائط إلى عصبة الأمم. فالمنظمة لم تكن تحظى بهذه المكانة الدولية التي تحظى بها الأمم المتحدة اليوم