حاول “حزب الله”، ومعه حركة “أمل” ومن يدور في فلك “الممانعة” أن يحشدوا لمرشحهم رئيس تيار “المردة” الوزير السابق سليمان فرنجية، فكانت حصيلة جهدهم 51 صوتًا مقابل 59 صوتًا لمرشح قوى المعارضة الوزير جهاد ازعور.
ولو كان في امكان أي من الفريقين رفع نسبة أصوات مرشحه لما تردّد، ولكن التركيبة المجلسية الحالية فرضت على الجميع التعاطي مع الوقائع كما هي من حيث التحالفات والنتائج، التي وصلت إلى حدّها الأقصى، أي بمعنى آخر أن لا أحد من الفريقين السياسيين قادر لوحده على أن يوصل الرئيس الذي يريده إلى بعبدا ما لم تتغيّر المعادلات القائمة على توازنات هشّة وهجينة.
وعلى رغم هذه الوقائع التي لا يمكن تجاوزها بمجرد غض الطرف عنها فإن “حزب الله” يضع أمام نصب عينيه مسألة إيصال فرنجية إلى بعبدا أيًّا يكن الثمن حتى ولو استمرّ الفراغ الرئاسي سنوات. وهو لذلك لن يأخذ في الاعتبار الجهود الديبلوماسية، التي تقوم بها مجموعة الدول الخمس، وهو بالطبع لن يقف عند خاطر الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان، الذي سيحمل معه إلى لبنان حصيلة اجتماع الدوحة.
ووفق مصادر سياسية مطلعة فإن “حزب الله” لن يتراجع قيد أنملة عن ترشيح فرنجية، وهو متمسّك به للأسباب، التي أسهب في شرحها أمينه العام السيد حسن نصرالله في أخر إطلالاته. ومن أجل تحقيق هذا الهدف أعاد فتح قنوات الحوار مع رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل، الذي يُنقل عنه أنه “سلّف” قوى “المعارضة” ما لم تكن تحلم به.
وهذا ما تعرفه هذه القوى، التي كما تقول مصادرها لم “تنغشّ” كثيرًا باستدارة باسيل، الذي يمكن أن يميل حيث يرى أن مصلحته السياسية مؤّمنة ومضمونة أكثر.
وعليه، فإن أوراق “اللعبة” الرئاسية قد أعيد خلطها من جديد، خصوصًا أن “الثلث المعطّل” هو سلاح ذو حدّين، ويمكن اللجوء إليه في كل مرّة قد تكون فيها دفّة الميزان راجحة لمرشح هذا الفريق أو ذاك الطرف. فكما “لعبت” قوى “الممانعة” “لعبة” تعطيل نصاب الجلسة الثانية حتى قبل أن ينتهي فرز أصوات الجلسة الأولى في 14 آذار، كذلك قد تلجأ قوى “المعارضة” إلى “اللعبة” ذاتها تحت غطاء مقولة “البادئ أظلم”.
فلو لم تكن لدى “حزب الله” هاجس إمكانية حصول أزعور على 65 صوتًا في الجلسة الثانية لما لجأ إلى “فرطها”.
وهكذا ستفعل “المعارضة” في حال استطاع “حزب الله” أن يكسب أصوات تكتل “لبنان القوي” من خلال صفقة سياسية معينة مع باسيل تفضي إلى قبوله، ولو على مضض، بتأييد ترشيح فرنجية، من خلال إعطائه حرية الاقتراع لنواب تكتله في أي جلسة قد يدعو إليها الرئيس نبيه بري متى اكتملت لديه الصورة النهائية للتحالف الممكن بين “حزب الله” و”التيار الوطني الحر”، وذلك وفق ما يمكن التوافق عليه لما يلي مرحلة ما بعد انتخاب فرنجية. وهو أمر خاضع لنقاش مطّول يحتاج إلى الكثير من الوقت.
ولكن المراهنة على هذا التبدّل في مواقف باسيل تبقى محفوفة بمحاذير شتى، خصوصًا أن قوى “المعارضة” لا تزال ممسكة بالخيط الرئاسي من طرفه التعطيلي، تمامًا كما فعلت قوى “الممانعة” على مدى اثنتي عشرة جلسة متقطعة.
واستنادًا إلى معادلة “التوازن السلبي” في المعركة الرئاسية، فإن لودريان سيطلب من “حزب الله” النزول من على “الشجرة الرئاسية” وقبوله بالسير في “الخيار الثالث”، الذي لا بدّ منه، خصوصًا إذا كان ثمة قرار جدّي بحصول الانتخابات الرئاسية.