أمرٌ أمني جمعَ الحزب بـالتيّار فوراً.. ما علاقة تهديدات إسرائيل للجنوب؟

17 يوليو 2023
أمرٌ أمني جمعَ الحزب بـالتيّار فوراً.. ما علاقة تهديدات إسرائيل للجنوب؟

صحيحٌ أن الأمور عادت إلى مجاريها مؤخراً بين “التيار الوطني الحر” و “حزب الله” من خلال إستئناف الحوار بين الطرفين، لكنّ ذلك لا يعني إستقامة العلاقة بينهما كما كان سابقاً، ولا يشيرُ حتى إلى إعادة إحياء تفاهم مار مخايل الذي وجّه رئيس “التيار” جبران باسيل أكثر من انتقادٍ إليه، لا وبل راح بعيداً باتجاه إمكانيّة نسفهِ تماماً. 

ماذا يجري الآن بين الطرفين؟ 
 يمكن القول إنَّ الوساطات بين “التيار” والحزب والتي خاض الأساس منها المدير العام السابق للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، قد نجحَت في التقريب بين الطرفين مُجدداً من دون أي شروطٍ مُسبقة. فإلى الآن، حارة حريك مُتمسّكة بترشيح رئيس “تيار المرده” سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، وهو الأمر الذي ثبّتهُ مُجدداً الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله خلال خطابه يوم الأربعاء الماضي. حكماً، هذا الطرح هو الذي ساهم في إبعاد “التيار” عن الحزب وبروز الإشكاليات بينهما، لكنه ما زال قائماً ولم يتغيّر.. فلماذا عاد الحوار طالما أن الأمور ما زالت على حالها رئاسياً؟ كيف يمكن للحزب أن يلتقي مع “التيار” مُجدداً والأخير يُقيم تقاطعاً مع أطراف ترفض الجلوس مع “حزب الله” على طاولة حوارٍ واحدة؟! 
ما يجري بين الطرفين ما كان ليحصلَ لولا عوامل عديدة دفعت بإتجاه الإلتقاء مُجدداً، ويمكن القول إنّ هناك حاجة متبادلة لذلك. من جهة، يريدُ “حزب الله” أن يكون “التيار” بجانبه هذه الفترة تحديداً فيما الأخير أيضاً يحتاجُ إلى التقارب مع الحزب كونه الحليف الأكثر تفهماً لخياراته والأكثر صوناً لمسيرته والأكثر دفاعاً عنه في الكثير من المحطات. 
أوّل العوامل التي دفعت باتجاه إلتقاء الحزب و”التيار” مجدداً هي وجود بوادر لتسوية رئاسية معينة سيقودها الفرنسيّون والقطريون. أمام ذلك، لا يريد الحزب أن يصل إلى الحوار الجامع من دون تحضير أرضية مع الحلفاء المعروفين وذلك كي تكون هناك نقاط مشتركة يمكن البحث بها. الأمرُ هذا يأتي إنطلاقاً من أنَّ “حزب الله” لا يريد “تصغير نفسه” أمام الأطراف الأخرى عند حصول أي حوار، إذ أنه وفي حال كانت الخصومة قائمة مع “التيار”، فسيظهر الحزب وكأنه بعيدٌ عن الكتل المسيحيَّة ككل، وبالتالي سيكون في متراسٍ آخر يدلُّ على وجود إنقسام حاد. لهذا، وتداركاً لهذه المشهدية، حاول الحزب مُجدداً التقرب من “التيَّار” كي يكون متناغماً معه على طاولة الحوار، ولكن من دون أن تكون هناك وعود أو شروط. 
من العوامل الأخرى التي دفعت “التيار” باتجاه الجلوس مع الحزب هو إلتماسُ بوادر لإمكانية بحث الأخير في خيارات “التسوية”، ما يعني عدم التمسُّك بشكل حازم وقاطع بترشيح فرنجية. الأمرُ هذا يريح باسيل لكنه في الوقت نفسه لا يعني تنازلاً  من الحزب عن فرنجية الذي يضع اسمه في طليعة الأولويات. وحتى الآن، بات باسيل مقتنعاً بضرورة مناقشة إسم رئيس “المرده” خلال أي حوار، فالأمرُ هذا ليس مستعصياً لكن تأييد الترشيح ليس واجباً في الوقتِ نفسه. 
إلى جانب كل ذلك، يأتي عاملٌ أساسي لا يمكن إغفاله بتاتاً عن الساحة السياسية، ويرتبطُ بأحداث الحدود الجنوبية وتحديداً التحركات الإسرائيلية في الجزء الشمالي من بلدة الغجر وعند الحدود الجنوبية. حتماً، ما يجري يستدعي قلقاً من إمكانية نشوب حرب، في وقتٍ بات الكلام عن ترسيم الحدود البرية قائماً بشكلٍ جدّي. هنا، المعني الأول بما يجري سيكون “حزب الله” خصوصاً أن الخيَم التي وضعها عند حدود مزارع شبعا تؤكد أنّ المواجهة قائمة حتى لو لم تندلع فعلياً. وحُكماً، فإن التطورات التي تجري عند الحدود وآخرها عقب اعتداء جنود إسرائيليين بقنبلة مسيلة للدموع على وفدٍ إعلامي برفقة النائب قاسم هاشم عند تخوم مزارع شبعا، يؤكد أن المناوشات حاضرةٌ بشكل كبير ومن الممكن أن تتدحرج الأمور إلى حربٍ محدودة يكون “حزب الله” في واجهتها.  
إزاء ذلك، فإنَّ الحزب بات يرى أنه بحاجة إلى الغطاء المسيحيّ الذي احتمى به خلال حرب تمّوز عام 2006، وهذا الأمر لا يتوافر إلا من خلال “التيار الوطني الحر”. عملياً، قد تكون الأحداث التي جاءت هي التي سرّعت قبول الطرفين بالحوار الثنائي بمعزل عن أي شروط، لأن هناك مصلحة وطنية وبوادر مواجهة تحتاجُ تكتل الطرفين مع بعضهما البعض مثلما حصل قبل 17 عاماً. من ناحية أخرى، فإن الحزب لا يستطيعُ أيضاً أن يعزل نفسه عن “التيار” حينما يناقشُ ملف ترسيم الحدود البرية، فالإنصهارُ في هذه المسألة مطلوبٌ تماماً كي يكون موقف لبنان الرسمي قوياً، ولهذا يُعدّ الحوار خطوة تمهيدية لذلك. 
في نهاية القول، يمكن التأكيد أنّ تلك العوامل هي التي شكلت مجتمعةً أساساً لتلاقي “التيار – الحزب”، ولولا “الأحداث الطارئة”، لما كان الإلتقاء قد حصل مُجدداً بهذه السرعة رغم “النفور الكبير”.. والسؤال الأهم: هل سيتكرر سيناريو مواجهة الـ2006 ويكون باسيل هو “سند المقاومة” بعدما كان عمّه الرئيس السابق ميشال عون كذلك قبل 17 عاماً؟ كل الأمور واردة، والأفضل هو إنتظار التطورات وما ستشهده الأمور من تبدلات لاسيما بعد حديث إسرائيل عن إنهاء “حزب الله” نشر قوّات النخبة التابعة له على طول الحدود مؤخراً.. وعليه، يُطرح التساؤل التالي: هل اقتربت المواجهة حقاً؟