كتب جورج شاهين في “الجمهورية”: تنظر المراجع الديبلوماسية الى توقيت ومضمون وشكل الرسالة الأخيرة للسفيرة الفرنسية آن غريو التي وَجّهتها الى اللبنانيين ومواطنيها في الاستقبال السنوي التقليدي الذي دعت اليه في 14 تموز في قصر الصنوبر لمناسبة العيد الوطني لبلادها.
عبّرت غريو عن مدى فهمها للحقائق التي تُخفيها مظاهر الازمات السياسية والدستورية التي تعيشها البلاد، وقد بذلت بلادها كثيراً من الجهد من أجل إنقاذ الوضع وإطلاق ورشة عمل رئاسية تنطلق من توفير الاجواء التي تسمح بانتخاب الرئيس العتيد للجمهورية لِسَد شغور أصابَ رأس الدولة. ومن اجل اكتمال عقد السلطات والمؤسسات الدستورية التي بُنيت على قواعد دستورية وقانونية وادارية فرنسية منذ عقود وهي تفهم هذه التركيبة من جوانبها المختلفة، وقادِرة على فهم ما يَعوق كل أشكال التعاون بين السلطات والمؤسسات كما يجب ان تكون لضمان فعاليتها ولتقوم بالمهمات المنوطة بها.اما في الشكل فقد كانت غريو بعيون نظرائها الديبلوماسيين صادِقة إلى حدّ بعيد، وجَريئة لمجرد مقاربتها للحقائق التي يعرفونها بما يفيض عن فَهم اللبنانيين لقادتهم ومسؤوليهم. وقد أصابت مقتلاً في بعض العناوين التي تناولتها. فلم تُخفِ الحقائق التي يفهمها بعض اللبنانيين المتابعين لكثير من التفاصيل التي يرغب البعض بإخفائها.هل ارتكبت غريو جريمة عندما تحدثت عن “حَشد جهود فرنسا والفرنسيين من أجل لبنان” وما اختزَنَه قصر الصنوبر وميدان سباق الخيل من “الحاويات والمعداّت والمواد الأساسيّة، التي تمّ شَحنها عبر البحريّة الفرنسية وسُفننا التجاريّة. كما كانت الهبات تتدفقّ من كافة الشركات الفرنسية الموجودة في لبنان”؟ وهل كشفت غريو سراً خطيراً عندما تحدثت عن شكوك البعض “أنّ فرنسا تقف دوماً إلى جانب اللبنانيين عندما يحتاجون إليها”؟
وهل أخطأت عندما تحدثت عن “رباطة جأش ورصانة عائلات ضحايا انفجار الرابع من آب على الرغم من ألمها البالغ، وقد جاءت لمقابلتي كي تطالب بالعدالة لأحبّائها”، وعندما قالت انّ “لبنان ليس على ما يرام” ورَفضها قَوْل البعض “انّه على ما يرام وقد تمّ تجاوز الأزمة”، فيما هم يعرفون ان “الّاستقرار الحالي هو ظاهري وخادِع”؟. إذا ما وضعت “جانباً المساعدات الكبيرة التي تقدمّها الجالية اللبنانية والمجتمع الدولي”. وهل كانت مخطئة عندما أشارت الى القطاع العام والموظفين الذين “يواصلون مزاولة عملهم لقاء أجر زهيد للغاية”، ولفتت الى “الإستخفاف والزبائنيّة والإتجار غير المشروع والفساد”. وعن “الخوف الذي يَنتاب “اللبنانيين الذين قابَلتهم” من “عدم العثور على الدواء لفردٍ من العائلة مُصاب بالسرطان والخوف من عدم التمكّن من تسديد قسط ولدٍ في المدرسة أو من تأمين القوت له”؟. وقد تكون خطيئة غريو أنها أكدت استمرارها في الاصغاء الى “المخاوف الوجوديّة التي تبوحون لي بها بثقةٍ خلال لقاءاتنا”، ودعوتها الى “التصديّ لها من خلال حلول مستدامة” وأحاديث البعض عن “إعادة النظر بالتنظيم المناطقي للبنان”، ونصيحتها بـ”تطبيق اللامركزية التي نَصّ عليها اتفاق الطائف!”
قد تكون جريمة غريو أنها نشرت نماذج عن وثائق لـ”ويكيليكس فرنسية” عندما لفتت نظر اللبنانيين إلى انه “ما من رئيس للجمهورية منذ تسعة أشهر كي يُسمِع صوت لبنان على الساحة الدولية”، وأن لبنان “غاب عن الأجندة الدولية في حين أن الشرق الأوسط يشهد تطورات كبرى”، وان “الحكومة لا تُعنى إلا بتصريف الأعمال، والبرلمان لم يَعد يُشرّع”، وانه “شلل مميت بالنسبة إلى لبنان واللبنانيين”. وعلى من يريد ان يعتبر فليعتبر، إذ انه لا مجال امام المعنيين لتجاهل خطاب غريو سوى اللجوء الى “سياسة النعامة” المعتمدة في لبنان.