كفانا تذاكياً ومُزايدَاتٍ على بَعضِنَا بعضًا

18 يوليو 2023
كفانا تذاكياً ومُزايدَاتٍ على بَعضِنَا بعضًا


 وجه مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان رسالة الى اللبنانيين بمناسبة بداية رأس السنة الهجرية الجديدة، وجاء فيها:”ولأنَّ الهِجْرِةَ النَبَوِيَّةَ الشَّرِيفَة ، تَقَعُ في وَعْيِ المُسْلِمِين، بَينَ ثَلاثَةِ اعتبارات : اِستِمرَارُ الكِفَاحِ مِنْ أَجلِ حُرِّيَّةِ الدَّعوَة ، وَحُرِّيَّةِ القَولِ وَالعَمَل ، وَمُغَادَرَةُ الدَّارِ

وَالمَوْطِن، مِنْ أَجْلِ إِحقَاقِ ذَلِك – وَالسَّعْيِ لِإقامَةِ (الأُمَّةِ مِن دُونِ النَّاس) التي أَعْلَنَ عَنهَا رَسُولُ اللهِ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلامُهُ عليه ، في كِتَابِ المَدِينَةِ بَعدَ الهِجرَةِمُبَاشَرةً . والاعتبارُ الثَّالِث : الاقتِدَاءُ بِتَجْرِبَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، في إِقَامَةِ الدَّولَةِ الجَامِعَةِ والقَوِيِّةِ والمُتَمَاسِكَة ، برغمَ الاخْتِلافِ الدِّينِيِّ وَالاجتِمَاعِيِّ وَالسِّيَاسِيّ ، وَتُؤَسِّسُ وُجُودَها وَقَرَارَاتِهَا على التَّعَاقُدِ الذي يُشْرِكُ الجَمِيع ، وَلا يَسْتَثْنِي فَرِيقاً أو أحداً إذا كَانَ مُوَافِقاً على المُشَارَكَة .مَا شَهِدَ لبنانُ إِلا في النَّادِرِ هذه المَلَفَّاتِ المُتَشَابِكَةَ وَالمُعَقَّدَة ، في الأَمْنِ الوَطَنِيّ ، وفي الاقْتِصَاد ، وفي العَمَلِ السِّيَاسِيّ ، وفي عَلاقَاتِهِ العَرَبِيةِ وَالدَّولِيَّة. وهذا التَّعَقُّدُ في المَلَفَّات ، لهُ ثَلاثُ عِلَل: إِصْرَارُ كُلِّ فَرِيقٍ على جَذْبِ المِيَاهِ إلى طَاحُونِهِ وَحْدَه ، وفي الصَّغِيرَةِ  قَبلَ الكبيرة . ولذلك ، تَتَكَاثَرُ التَّجَاذُبَاتُ وَالنِّزَاعَاتُ إلى مَا لا نِهَايَة . وإذا كان هذا الأمرُ خَطَأً في أَسالِيبِ مُوَاجَهةِ الاخْتِلافَات ؛ فإنَّ العِلَّةَ الأُخْرَى أَكْبَرُ وَأَفْجَع، وَتَتَمَثَّلُ في اسْتِمْرَارِ الخِلافَاتِ بِشَأْنِ الثَّوَابِتِ التي لا يَجُوزُ أَنْ تَسْتَمِرّ، لأَنَّهَا تُشَكِّلُ ضَرباً لِلأُسُسِ التي يَقُومُ عليها العَيشُ المُشتَرَك ، وَتَقُومُ عليها الحَيَاةُ الوَطَنِيَّةُ الاجْتِمَاعِيَّةُ وَالسِّيَاسِيَّة .أيها المسلمون؛ أيها اللبنانييون:فَوقَ أَزَمَاتِنا الوَطَنِيَّةِ المُتَكاثِرة، نَعيشُ في هَذِه الأيامِ أَزْمَةً جديدةً، هي الأَسْوَأُ وَقْعاً : اِنْتِخَابُ رئيسٍ جديدٍ للجمهوريَّة . وهذهِ الأزْمَةُ بِالذَّات ، ما كانَ لها دَاعٍ . فالجَمِيعُ يقولونَ بِالطَّائفِ والدُّستور. والدُّستورُ حَدَّدَ مَسَاراً واضِحاً لانْتِخاباتِ الرَّئيس ، فلماذا لا نَتَّبِعُ هذا المَسارَ الوَاضِح ، دُونَمَا اتِّهاماتٍ مُتَبَادَلَة ، وتَعْطِيلِ ما لا يَصِحُّ تَعْطِيلُه ؟ما يَجرِي اليومَ على السَّاحَةِ اللبنانيةِ مِن شُغورٍ رِئاسِيٍّ ، وتصريفِ أعمالٍ في الحكومةِ بِالحُدُودِ الضَّيِّقَةِ ، وتعطيلِ انعقادِ جَلَسَاتٍ تشرِيعِيَّةٍ في المَجلِسِ النِّيَابِيّ ، هُوَ مَعِيبٌ بِحَقِّ كُلِّ مَن يُعَرقِلُ إنجازِ هذِه الاستِحقاقَاتِ التي لا يَنْهَضُ البلدُ مِن دُونِ تَحقِيقِها ، وأَوَّلُها انتخابُ رئيسٍ لِيُعِيدَ لِلوَطَنِ مَكَانَتَه، وَلِلمُؤَسَّساتِ تَوَازُنَها ، ولكي نَقولَ لِلعَالَم: نحن كلبنانيين مَهمَا اختَلَفنَا فَسَنَبقَى مُحافِظِينَ على لبنانَ العَربِيِّ الهُوِيَّةِ والانتماء ، وإذا لم نُسارِعْ إلى تَدَارُكٍ هذا الأًمرٍ بٍتنفِيذِ ما ذَكَرْنا آنفاً فإنَّ الشَّرخَ والَّفَتُّتَ والانهيارَ والفَوضَى بشتَّى أَنواعِها سَتَزداد ، كفانا تذاكياً ومُزايدَاتٍ على بَعضِنَا بعضًا، فعلى الجميعِ التَّنازُلُ لِمَصلحَةِ الوَطنِ ، وإلا فنحن ذاهبون إلى الظَّلام، حيث تَنتَظِرُنا الويلاتُ والمَصائبُ التي سَتَقَعُ على الوَطَنِ وعلى جَميعِ اللبنانيين .إنَّ السُّكُوتَ عَنْ مَطالِبِ اللبنانيينَ المُحِقَّةَ جريمةٌ لا تُغتَفَرُ ، وتحقيقُها مُطالَبٌ بهِ كُلُّ مَسؤُولٍ في هذه الدَّولةِ أياً كان مَوقِعُه ، لقد نَفِدَ صَبرُ المُواطِنِ الذي يُعانِي الأَمَرَّينِ في مَعِيشَتِه ، لا نُرِيدُ بَعدَ اليومِ أقوالاً وخطاباتٍ وَمَواقِفَ وتَصَارِيحَ رَنَّانَةٍ لا تُسمِنُ ولا تُغنِي مِنْ جُوع  ، بل نريدُ أفعالاً تَنتَشِلُ المُواطِنِينَ مِمَّا هُمْ فيه  ، اِنتظرْنا بِما يَكفِي ، صَرخَتُنا اليومَ هي صَرخَةُ كُلِّ النَّاسِ الذين  يعانون مِمَّا يَجرِي في وَطَنِنا ، ونحن في نَظَرِنا وفي نَظَرِ كُلِّ اللبنانيين الجَميعُ مسؤولون ويتَحَمَّلون الأَخطَاءَ والخَطَايَا ، رُغمَ تَفاوُتِ الدَّرجَاتِ في المسؤولية. يقولُ اللهُ عزَّ وجَلَّ في مُحكَمِ تَنزِيلِه : ﴿وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ﴾ .إنَّ المَرجِعِيَّاتِ الدِّينِيَّةِ دَورُها وَطَنِيٌّ وَتَوجِيهِيٌّ ، ولم تُقَصِّرْ في رَفعِ الصَّوتِ دائماً لِحَثِّ المَسؤولين على اتخاذِ المُبَادَراتِ والقَرَارَاتِ التي تَهُمُّ الوَطَنَ والمُوَاطِن ، ولكن يَبدُو أنْ ليسَ هناك مِنْ مُجِيبٍ ، وهذا لا يَعنِي أَنَّنَا استسلمْنا لِلأمرِ الوَاقِعِ المُؤلِم ، وسنبقى نُطالِبُ بِهذهِ الحُقوقِ وَنَدعُو دائماً إلى تحقيقِها ، وَنَقِفُ في وَجهِ الظُّلمِ الذي يُلاحِقُ النَّاسَ في حياتِهِم، فَمَا ضَاعَ حَقٌ وَرَاءَهُ مُطالِبٌ ، فَالمُطالَبَةُ بِالحقوقِ أمرٌ مَشرُوعٌ كَفَلَهُ الدُّستورُ .أيها المسلمون؛ أيها اللبنانييون :ولِمُناسَبةِ الهِجرةِ التي صَارَتِ انْتِصَاراً لِمَبادئِ الحَقِّ والعَدل، أَقولُ لِكُلِّ النُّوَّاب ، وَلِنُّوَّابِ المسلمينَ بِالذَّات : أنتُمْ تَشْكُونَ مِنْ قِلَّةِ الوَزْنِ وَالتَّوَازُن ، وما ذلِكَ إلا لِلتَّشَرْذُمِ الذي نَالَ مِنْ وَحْدَةِ الصَّفّ ، وَمِنَ القُدْرَةِ على التَّضَامُنِ وَرِعايَةِ المَصَالِح . لا بُدَّ مِنْ أنْ تَجْتَمِعوا ليسَ لِحِفْظِ حُقوقِكُمْ فقط ؛ بل وَلِتَحْقِيقِ المَصْلَحَةِ الوَطَنِيَّة ، في أنْ يَكونَ لِلُبنانَ رئيس ، تُمَكِّنُهُ الكَفاءَةُ وَالخِبْرَةُ والنَّزَاهَةُ مِنْ أنْ يَتَقَدَّمَ الصُّفوفَ ، لِحَلِّ المُشْكِلاتِ المُتَرَاكِمة . إنْ لم يَكُنْ لكُمْ بِسَبَبِ وَحْدَتِكُمْ وَزْنٌ في انْتِخابِ الرَّئيس العتيد ، فلنْ يكونَ لكُمْ وَزْنٌ في الحُكومةِ ورَئيسِها”.